الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم طلب الدعاء من الكافر وهل يقبل دعاؤه

السؤال

أعيش ـ الآن ـ في نيوزيلندا وقد عانيت من التعب والمرض، فطلبت مني معلمتي ـ وهي نيوزيلندية كبيرة في السن ـ أن تصلي وتدعو لي، وهي مسيحية، فوافقت، لأنني إذا رفضت سوف تتضايق فقلت لها تريدين أن تصلي، صلي، فكل شخص لديه الطريق للوصول إلى الدعاء والرجاء من الله، ولكن عندما كانت تدعو كنت أقرأ القرآن في قلبي وأردد سورة الإخلاص، فهل أنهاها عن الصلاة من أجلي ومن أجل بناتي أيضا؟ وهي تصلي لأي ظرف طارئ أمر به، مع العلم أنني متيقنة من أن الله وحده الشافي، ولكنني أدعها تدعو لكي لا تضرني بشيء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا نرى بأسا في ما فعلته السائلة من قبول عرض هذه المرأة الكافرة أن تدعو لها، خاصة وهي تخشى ضررها إن لم تقبل ذلك ـ كما ورد في السؤال ـ وهذا الجواز مقيد بقيدين:

الأول: أن يكون دعاء هذه المرأة متوجها إلى الله تعالى، لا إلى المسيح أو غيره من خلق الله، لأنه لا يجوز لمسلم أن يقر مشركا على شركه مختارا.

والقيد الثاني: أن لا يكون ذلك على وجه يشعر بتعظيم الكافرة أو تصحيح دينها، ولذلك فإننا نتحفظ على قول السائلة لهذه المرأة: كل شخص لديه الطريق للوصول إلى الدعاء ـ فإنه قد يوهم هذه المرأة أنها على شيء، أو أن دينها صحيح مقبول موصل إلى الله تعالى، وقد قال سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران: 85}.

ثم إننا نحيط السائلة علما بأن أهل العلم قد اختلفوا في دعاء الكافر هل هو مقبول أم لا؟ واختلفوا ـ كذلك ـ في حكم طلب الدعاء منه، ثم اختلفوا في جواز التأمين على دعائه، والظاهر أن ذلك جائز بالقيدين السابقين. وراجعي للفائدة الفتويين رقم: 62328، ورقم: 95633.

ومما يدل على ذلك أن ابن أبي شيبة قد عقد بابا في ـ المسلم يؤمن على دعاء الراهب ـ أسند فيه عن حسان بن عطية قال: لا بأس أن يؤمن المسلم على دعاء الراهب, فقال: إنهم يستجاب لهم فينا، ولا يستجاب لهم في أنفسهم. هـ.

وهذا رواه إسحاق بن راهويه في مسنده، واستدل به على أن أهل الذمة وإن كانوا لا يؤمرون بالخروج لصلاة الاستسقاء، إلا إنهم لا ينهون عن ذلك، فإن خرجوا تركوا.

نقله عنه ابن المنذر في الأوسط.

وقال الدكتور: جيلان بن خضر العروسي في رسالته للماجستير ـ الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية: إن إجابة الدعاء من مقتضى الربوبية وهي شاملة للخلق مؤمنهم وكافرهم، فهو يربيهم بالنعم، ومنها إجابة الدعاء وإغاثة الملهوف وإعانة المكروب وإزالة الشدائد وكشف الكربات، قال تعالى: يسأله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن { الرحمن: 29}.

ثم إن الله تعالى قد أجاب دعوة شر خلقه وهو إبليس، قال سفيان بن عيينة ـ رحمه الله: لا يمنعن أحداً ما يعرفه من نفسه من الدعاء، فإن الله قد أجاب دعوة شر خلقه إبليس. هـ.

ونقل عن الشيخ السعدي قوله: ومن براهين وحدانية الباري وربوبيته إجابته للدعوات في جميع الأوقات، فلا يحصي الخلق ما يعطيه للسائلين وما يجيب به أدعية الداعين من بر وفاجر ومسلم وكافر، تحصل المطالب الكثيرة ولا يعرفون لها شيئاً من الأسباب سوى الدعاء والطمع في فضل الله والرجاء لرحمته، وهذا برهان مشاهد محسوس لا ينكره إلا مباهت مكابر. هـ.

ثم ننبه السائلة على أن التأمين في حد ذاته دعاء، فهو بمعنى: اللهم استجب، وعلى ذلك، فالتعلق بتأمين المسلم على دعاء الكافر أولى من التعلق بالدعاء نفسه من الكافر، وقد قال تعالى في حق موسى وهارون: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا {يونس: 89}.

قال السعدي: هذا دليل على أن موسى كان يدعو، وهارون يؤمن على دعائه، وأن الذي يؤمن يكون شريكا للداعي في ذلك الدعاء. هـ.

وقد سبق لنا بيان أن الدعاء من أقوى أسباب الشفاء، في الفتويين رقم: 27451، ورقم: 74866.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني