الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المعرفة بين البداهة والاكتساب

السؤال

أرجو منكم قراءة هذا النص ونقده نقداً علمياً.
" بل إن هناك نظريات علمية تمضي لأكثر من هذا، فترى أن التحصيل هو في ذاته عملية تذكر لعلم قديم مكنوز ومسطور في الروح وليس تعلماً من السبورة، فنحن لا نكتشف أن 2*2 = 4 من عدم، وإنما نحن نولد بها، وكل ما نفعله أننا نتذكرها، وكذلك بداهات الرياضة، والهندسة، والمنطق. كلها بداهات نولد بها مكنوزة فينا، وكل ما يحدث أننا نتذكرها، تذكرنا بها الخبرة الدنيوية كل لحظة.
وبالمثل شخصيتنا نولد بها مسطورةً في روحنا، وكل ما يحدث أن الواقع الدنيوي يقدم المناسبات والملابسات، والقالب المادي لتفصح هذه الشخصية عن خيرها وشرها، فيسجل عليها فعلها.
والتسجيل هو الأمر الجديد الذي يتم في الدنيا.
الانتقال من حالة النية إلى حالة التلبس.
وهذا ما تعبر عنه الأديان بأن يحق القول على المذنب بعد الابتلاء والاختبار في الدنيا، فتحق عليه الضلالة وتلزمه رتبته. اهـ.
وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالفقرة الأولى من هذا النص لا بد من تقييدها بنوع خاص من أنواع العلوم، فإن العلوم ليست على مرتبة واحدة، فلو كان مقصد صاحب هذه النظرية: العلوم البديهية، أو ما يعرف بالأوليات، فهذا مقبول من حيث الجملة، وإلا فهناك من العلوم ما يحتاج إلى مراس وطلب؛ ولهذا يتفاوت فيه الناس أشد التفاوت، وقد قال تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [النحل: 78]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما العلم بالتعلم. رواه الخطيب في تاريخه، وحسنه الألباني.
قال الكفوي في (الكليات): البداهة هي المعرفة الحاصلة ابتداء في النفس، لا بسب الفكر، كعلمك بأن الواحد نصف الاثنين. والبداهة في المعرفة كالبديع في العقل. والبديهي أخص من الضروري، لأنه ما لا يتوقف حصوله على نظر وكسب، سواء احتاج لشيء آخر من نحو حدس أو تجربة أو لا، كتصور الحرارة والبرودة، والتصديق بأن النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان. اهـ.
وقال في موضع آخر: اليقينيات ست:

أولها: الأوليات وتسمى البديهيات، وهي ما يجزم به العقل بمجرد تصور طرفيه، نحو: الكل أعظم من الجزء.

ثانيها: المشاهدات الباطنية، وهي ما لا يفتقر إلى عقل، كجوع الإنسان وعطشه وألمه؛ فإن البهائم تدركه.

ثالثها: التجربيات، وهي ما يحصل من العادة، كقولنا: (الرمان يحبس القيء) وقد يعم كعلم العامة بالخمر أنه مسكر، وقد يخص كعلم الطبيب بإسهال المسهلات.

رابعها: المتواترات، وهي ما يحصل بنفس الأخبار تواترا، كالعلم بوجود مكة لمن لم يرها.

خامسها: الحدسيات، وهي ما يجزم به العقل لترتيب دون ترتيب التجربيات مع القرائن، كقولنا: نور القمر مستفاد من الشمس.

سادسها: المحسوسات، وهي ما يحصل بالحس الظاهر، أعني بالمشاهدة، كالنار حارة، والشمس مضيئة، فهذه جملة اليقينيات التي يتألف منها البرهان. اهـ.
وقد سبق لنا التنبيه على أن تصورنا للبديهيات وتعقلنا للعلوم الضرورية، أمر حادث مخلوق. أما البديهيات نفسها فهي معان مجردة ليس لها خارج الذهن وجود مستقل؛ وراجع الفتوى رقم: 196043.
وأما الفقرة الثانية، فمع إقرارنا بالمراتب الأربعة للإيمان بالقضاء والقدر: من العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق، والتي سبق بيانها في الفتويين: 60787، 136263. إلا أن الجزم بأن ذلك مسطور في أروحنا، مما يستغرب، ولا نعلم لذلك دليلا من عقل أو شرع !! والروح لا يعلم كنهها إلا الله، قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85]. فلا يجوز لأحد أن يدعي علم شيء من حقيقتها إلا بدليل من الوحي؛ وراجع في ذلك الفتويين: 55987، 19903.
وأخيرا ينبغي أن نفرق بين النظريات العلمية القابلة للتغير والتطور والإصابة والخطأ، وبين الحقائق الثابتة التي لا يصح الشك فيها بعد ثبوتها، وفي الوقت نفسه ينبغي أن نفصل بين الوهم والتخمين وما في معناه، وبين النظريات العلمية التي تقوم على المدارسة والتجريب. وراجع الفتويين: 26538، 117667.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني