الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيحات حول القول بأن كل واجب مباح، وكل حرام مكروه

السؤال

هل يصح القول بأن كل واجب مباح، وكل حرام مكروه، وليس العكس؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا القول ليس له كبير فائدة، ومؤداه - وهو الإذن في فعل الواجب وكراهية إتيان المحرم - تحصيل حاصل، بل هو خاطئ مخالف لما اصطلح عليه أهل العلم من أن الواجب والمباح كل منهما له حقيقة تختلف عن الآخر، فإن الواجب هو الذي يستحق فاعله الثواب، وتاركه الإثم والعقاب، بخلاف المباح، فلا عقاب في تركه، ولا ثواب في فعله.

قال أبو المعالي الجويني في كتابه: التلخيص في أصول الفقه: وَهَذَا كَمَا أَنَّا نقُول: ...... وَيبْطل قَول من قَالَ من نابتة الْفُقَهَاء أَن كل وَاجِب مُبَاح، وَلَيْسَ كل مُبَاح وَاجِبا، فَإِن الْمُبَاح مَا يُخَيّر الْمُكَلف فِي فعله وَتَركه من غير لوم وَاسْتِحْقَاق ذمّ فِي وَاحِد مِنْهُمَا، وَهَذِه الصِّيغَة مَعْدُومَة فِي الْوُجُوب. اهـ.

وكذلك الحرام والمكروه، فإن للحرام حقيقة قائمة بذاتها تختلف عن المكروه، كما هو الظاهر من تعريف علماء الأصول.

قال الشوكاني في إرشاد الفحول: والمحظور ما يذم فاعله ويمدح تاركه، ويقال له المحرم، والمعصية، والذنب، والمزجور عنه، والمتوعد عليه، والقبيح، والمكروه ما يمدح تاركه، ولا يذم فاعله. اهـ.

وقال ابن قدامة في روضة الناظر: المكروه: ضد المندوب، وهو ما مدح تاركه، ولم يذم فاعله، وقيل: ما ترجح تركه على فعله، من غير وعيد فيه، وقيل: ما تركه خير من فعله كذلك، ومعانيها واحدة. اهـ

قال سليمان بن عبد القوي بن الكريم الطوفي في شرحه على مختصر الروضة: وقد ظهر من تقسيم الخطاب إلى الأحكام أن المندوب: هو المأمور غير الجازم، والمكروه: المنهي غير الجازم، فالمندوب قسيم الواجب في الأمر، والمكروه قسيم الحرام في النهي، فتحققت الضدية بينهما من حيث الحقيقة والمادة، أي: من حيث حقيقتهما ومادتهما، والمنهي والمكروه ما نفر عنه الطبع والشرع.. إلى أن يقول: وله: وهو يعني المكروه: ما مدح تاركه ولم يذم فاعله ـ فما مدح تاركه يتناول الحرام، وبقولنا: ولم يذم فاعله ـ يخرج الحرام، لأن فاعله مذموم، وقيل: ما ترجح تركه على فعله من غير وعيد فيه، وبهذا القيد الأخير أيضا يخرج الحرام، وقيل: ما تركه خير من فعله، وهو الذي ذكره الشيخ أبو محمد، وهو بظاهره يتناول الحرام، لأن تركه خير من فعله، لكن إنما قيدته بقولي: كذلك ـ أي: من غير وعيد في فعله، كما قلنا في الحد الذي قبله، قوله: ومعانيها واحدة ـ أي: معاني هذه الحدود المذكورة للمكروه واحدة، لاشتراك جميعها في أن المفهوم منها المطلوب تركه طلبا غير جازم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني