الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوبة من جميع الذنوب مقبولة، مع رد حقوق العباد إن أمكن.

السؤال

أنا شاب عمري 21 سنة. أعيش في أوروبا، وأعمل كحارس أمن، وأدرس صحافة في معهد أونلاين، وبدأت بعد التوبة بإنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لنصرة المسلمين، ونشر الكثير من الأخبار عن المسلمين في أوروبا.
كنت أعصي الله، ولا أصلي، ولا أصوم، وأسرق مخدرات، ومال للمخدرات، ومال من أهلي، ونشرت موسيقى، نسيت حسابي للدخول، ومسح الفيديوهات التي فيها الموسيقى حتى تبت. والآن تبت توبة نصوحا، وتزوجت قبل يومين؛ لتجنب الفتنة.
كنت أقع في الزنا قبل التوبة، والفواحش، وتعاطي المخدرات، والسرقة، والغيبة، والنميمة، والكذب، واللواط، والحلف بالله، والكذب بعدها، والسب للدين عند الغضب، وغيرها من الذنوب منها ما هو كفر، ولا أدري من هم الناس الذين سرقتهم؛ لفقد ذاكرتي وقت تعاطي المخدرات.
بسبب المخدرات، وإهمالي الدين الإسلامي وقعت في ديون عند البنك، وكنت عند ما صرفت مالي المكتسب يسمح البنك أن أدخل في سالب، يعني يسمح لك بسحب مال في سالب (مثال: راتبي 1500€ ويمكنني سحب هذا المال وفقها على السالب 1500 أخرى، وأصرف المال الذي يمكن أن يسمى كالقرض.
والآن قبل أيام بحمد الله، تبت توبة نصوحا، في كل سجدة أستغفر الله وأتوب إليه توبة نصوحا، وأذكر الله كثيرا، وأبكي، وأندم، وأكره نفسي بسبب الذنوب التي فعلتها.
هل يقبل الله توبتي رغم كبرها؟ مثل الكفر؛ لعدم الصلاة، وعدم الصوم، والزنا، والغيبة، والنميمة، والكذب، وغيرها من الذنوب التي ذكرتها، والتي لم أذكرها. والحقوق التي يجب أن ترد إلى أهلها التي نسيتها؟ (بعض السرقة كانت مخدرات، أو مال كان يفترض شراء مخدرات به). وليس لدي من يقرضني قرضا حسنا حتى أوفي البنك الذي حسابي فيهِ في السالب، ولدي بطاقة فيزا (قرض آخر ) فيه -1200، أدفع شهريا 200€ لتكملة الدين.
أعمل، وكلما نزل الراتب في البنك حسابي 1500€ بسبب ديوني التي كثرت أيام الكفر.
لكن لدفع المعيشة، والأكل، والشرب، والنقل (السكن) لا بد أن أدخل في قصة السالب من جديد عند نزول الراتب، بسبب الدين عند البنك، وهكذا كل شهر.
هل لي أن أوفر شهريا، مثلا كل شهر أوفر خمسين يورو، يعني أجمع ببيتي المال حتى أصل المبلغ المطلوب، وأصبر حتى يقرضني أهلي قرضا حسنا إذا قدروا، وأدفع للبنك، وحتى يمكنني ذلك لا بد لي أن أصرف من السالب للعيش.
ماذا أفعل؟ هل يقبل الله توبتي رغم كفري، وشناعة ذنوبي؟ وهل لي أن أصرف من البطاقة البنكية بالسالب حتى يأتي الفرج؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمهما بلغت ذنوب العبد، فإن رحمة الله -تعالى- أكبر وأوسع، لمن تاب وأناب، وآمن وعمل صالحا، ثم اهتدى.

فأبشر، واجتهد أن تكون من هؤلاء، فالله -تعالى- يقبل توبة عبده من أي ذنب كان، كفرا، أو غيره. فالإسلام بعد الكفر، والتوبة بعد الردة: تهدم ما كان قبلها، قال الله تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر: 53}. وقال -عز من قائل-: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى {طه: 82}. وقال -عز وجل-: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:68- 70}.

وقال الله -تبارك وتعالى- في الحديث القدسي: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة. رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني.

وهذه نصوص واضحة في قبول التوبة من الكفر فما دونه، فما عليك إلا أن تُري الله من نفسك خيرا. وتُقبل على طاعته، تائبا منيبا إليه.

وراجع للفائدة، الفتويين: 112696، 118381.

وأما بخصوص المال المسروق ونحوه من حقوق العباد، فالعجز عن أدائه لا يعني منع التوبة، أو عدم صحتها، فإن الله -تعالى- لا يكلف نفسا إلا وسعها، فغاية الأمر أن يفعل السائل ما يستطيع من ذلك. وما عجز عنه لجأ إلى الله -تعالى- في تحمله عنه، وإرضاء خصومه يوم القيامة.

قال الغزالي في كتاب: (منهاج العابدين) في بيان كيفية التوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الناس، إذا كانت في المال: يجب أن ترده عليه، إن أمكنك، فإن عجزت عن ذلك لعدم أو فقر، فتستحل منه. وإن عجزت عن ذلك لغيبة الرجل أو موته، وأمكن التصدق عنه، فافعل، فإن لم يمكن، فعليك بتكثير حسناتك، والرجوع إلى الله تعالى بالتضرع، والابتهال إليه أن يرضيه عنك يوم القيامة. اهـ.

وانظر للفائدة، الفتوى: 319810.

وأما استعمال البطاقة البنكية الربوية، فلا يجوز إلا في حال الضرورة، أو الحاجة الشديدة.

وراجع في ذلك الفتاوى: 395278، 29129، 400318.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني