الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المنافسة في الفضائل لا تنافي محبة الخير للأخ المسلم

السؤال

(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
أنا أريد أن أكون من المؤمنات اللاتي رضي ربي عنهن، لكن أنا -أيضا- أريد أن أكون أحسن واحدة.
كيف أقدر أن أجاهد نفسي، حتى أكون ممن عمل بالحديث ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمقتضى كمال الإيمان، أن يحب العبد لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، وأن يكره له من الشر ما يكره لنفسه، قال الحافظ ابن رجب في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري): وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سَلِم من الحسد، والغل، والغش، والحقد، وذلك واجب كما قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا"، فالمؤمن أخو المؤمن، يحب له ما يحب لنفسه، ويُحزِنه ما يحزنه. انتهى.

وطريق الوصول إلى هذه المرتبة، يكون بمجاهدة النفس، والاستعانة بالله تعالى؛ فإنّ الأخلاق تُكتسب بالتعود، والتمرين، فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتَّعلم، والحلم بالتَّحلُّم، ومَن يتحرَّ الخير يُعْطَه، ومَن يَتَوَق الشر يُوقه. رواه الخطيب في تاريخه.

وقد نصّ العلماء على أنّ المراد في هذا الحديث: أن يحب لغيره ما يحب لنفسه، حيث تكون تلك المرتبة من الخير تسع الجميع، وأمّا عند المزاحمة - فلا مانع من التنافس، والمسابقة؛ طلبًا للأفضل، وحرصًا على معالي الأمور، مع سلامة الصدر للمسلمين، ومحبة الخير لهم.

قال الإمام النووي عند شرحه للحديث السابق في شرحه على صحيح مسلم: قال العلماء رحمهم الله: معناه لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة، والمراد: يحب لأخيه من الطاعات والأشياء المباحات. ويدل عليه ما جاء في رواية النسائي في هذا الحديث: "حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه"، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وهذا قد يُعد من الصعب الممتنع، وليس كذلك؛ إذ معناه: لا يكمُل إيمان أحدكم، حتى يحب لأخيه في الإسلام مثلَ ما يحب لنفسه. والقيام بذلك يحصل بأن يحب له حصول مثل ذلك من جهة لا يزاحمه فيها، بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئًا من النعمة عليه، وذلك سهلٌ على القلب السليم، وإنما يعسُر على القلب الدَّغِل - عافانا الله، وإخواننا أجمعين - والله أعلم. انتهى.

وقال الحافظ ابن رجب في كتابه (جامع العلوم والحكم): وإنما المأمور به في الشرع أن يحب أن يكونوا مثله، ومع هذا، فإذا فاقه أحد في فضيلة دينية؛ اجتهد على لَحاقه، وحزن على تقصير نفسه، وتخلفه عن لحاق السابقين، لا حسدًا لهم على ما آتاهم الله، بل منافسة لهم، وغبطة، وحُزنًا على النفس بتقصيرها، وتخلفها عن درجات السابقين. انتهى.

فإن كنتِ منافسة لأحد في هذه الدنيا؛ فلتنافسيهم في درجات الآخرة، والقرب من الله! فقد قال الله تعالى بعد ذكر جزاء الأبرار في الجنة: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ {المطففين: 26}، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: من نافسك في دينك، فنافسه فيه، ومن نافسك في دنياك، فألقها في نحره! .

ولمزيد الفائدة انظري الفتوى: 109959.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني