الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الضوابط الشرعية فيما يعتبر من العقوق وما لا يعتبر

السؤال

أمي كثيرا ما تطلب طلبات كثيرة، وصعبة على النفس، مثل: إخراج أخي من البيت، وإذا أتت لعندي لا تريدني أن أنام بجوار زوجتي، وتريدني أن أنام بجوارها، وتريد أن تنام في النور، مع العلم أنني لا أستطيع النوم في النور، وأظل طوال الليل مستيقظا، ولدي عمل في الصباح، فهل رفضي لمثل هذه الأمور يعد من العقوق؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يعد من العقوق عدم طاعتك لأمك فيما لم تكن فيه منفعة معتبرة لها، لا سيما إن كان يشق عليك، أو يضر بك، والأولى بك أن تحرص على الرفق في الاعتذار لها، ومحاولة إقناعها بما فيه مصلحتك، وأن تذكرها بحق الزوجة، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر، فإن شق عليه، ولم يضره وجب، وإلا فلا. انتهى.

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي -رحمه الله- في الفتاوى الفقهية الكبرى:.... وحيث نشأ أمر الوالد، أو نهيه عن مجرد الحمق، لم يلتفت إليه، أخذا مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته، وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد، ومنع الوالد له، أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة، فهو حمق، وغباوة، فلا يلتفت له الولد في ذلك، وأمره لولده بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه يتعين على الولد امتثال أمره، إن تأذى أذى ليس بالهين إن لم يمتثل أمره، ومحله أيضا حيث لم يقطع كل عاقل بأن ذلك من الأب مجرد حمق، وقلة عقل، لأني أقيد حل بعض المتأخرين للعقوق بأن يفعل مع والده ما يتأذى به إيذاء ليس بالهين، بما إذا كان قد يعذرعرفا بتأذيه به، أما إذا كان تأذيه به لا يعذره أحد به، لإطباقهم على أنه إنما نشأ عن سوء خلق، وحدة حمق، وقلة عقل، فلا أثر لذلك التأذي، وإلا لوجب طلاق زوجته، لو أمره به، ولم يقولوا به، فإن قلت لو ناداه وهو في الصلاة اختلفوا في وجوب إجابته، والأصح وجوبها في نفل، إن تأذى التأذي المذكور، وقضية هذا أنه حيث وجد ذلك التأذي ولو من طلبه للعلم، أو زهده، أو غير ذلك من القرب لزمه إجابته، قلت: هذه القضية مقيدة بما ذكرته، إن شرط ذلك التأذي أن لا يصدر عن مجرد الحمق، ونحوه، كما تقرر، ولقد شاهدت من بعض الآباء مع أبنائهم أمورا في غاية الحمق التي أوجبت لكل من سمعها أن يعذر الولد، ويخطئ الوالد، فلا يستبعد ذلك، وبهذا يعلم أنه لا يلزم الولد امتثال أمر والده بالتزام مذهبه، لأن ذاك حيث لا غرض فيه صحيح، مجرد حمق، ومع ذلك كله فليحترز الولد من مخالفة والده، فلا يقدم عليها اغترارا بظواهر ما ذكرنا، بل عليه التحري التام في ذلك... فتأمل ذلك، فإنه مهم. انتهى.

وقال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد -رحمه الله- في إحكام الأحكام، شرح عمدة الأحكام: عقوق الوالدين معدود من أكبر الكبائر في هذا الحديث، ولا شك في عظم مفسدته، لعظم حق الوالدين، إلا أن ضبط الواجب من الطاعة لهما، والمحرم من العقوق لهما فيه عسر، ورتب العقوق مختلفة، قال شيخنا الإمام أبو محمد بن عبد السلام: ولم أقف في عقوق الوالدين، ولا فيما يختصان به من الحقوق، على ضابط أعتمد عليه، فإن ما يحرم في حق الأجانب فهو حرام في حقهما، وما يجب للأجانب فهو واجب لهما، فلا يجب على الولد طاعتهما في كل ما يأمران به، ولا في كل ما ينهيان عنه، باتفاق العلماء، وقد حرم على الولد السفر إلى الجهاد بغير إذنهما، لما يشق عليهما من توقع قتله، أو قطع عضو من أعضائه، ولشدة تفجعهما على ذلك، وقد ألحق بذلك كل سفر يخافان فيه على نفسه، أو على عضو من أعضائه، وقد ساوى الوالدان الرقيق في النفقة، والكسوة، والسكنى. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني