الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يكفي الطلاق المدني الصادر من دولة غير مسلمة

السؤال

سيدي الفاضل، في البداية أود أن أتقدم لسيادتكم بخالص شكري وتقديري على ما تقدمه في سبيل نهضة الأمة الإسلامية وهداية المسلمين ونظرا لثقتي الشديدة في أرائك الحكيمة ولأنه ليس لي ملجأ سواك للسؤال والمشورة فقد قررت أن أكتب إليك لعلك تطفئ نار الحيرة في قلبي.
أنا سيدة عربية مسلمة سنية وأعيش في كندا، كنت متزوجة وأعيش مع زوجي في هذا البلد وحدث بيننا الكثير من المشاكل نظرا لسوء معاشرته لي وسوء معاملته لأبنائنا ومن هذه الأشياء على سبيل المثال وليس الحصر، إهانته المستمرة لي سواء بالضرب أو بالسب حتى أنه ذات مرة ألقى علي وعاء يحتوي على حساء مغلي مما تسبب لي في ضرر كبير، ضربه لابننا وعمره 7 سنوات مما تسبب له في مرض في الدماغ أكد الأطباء أن الأمل في الشفاء منه ضعيف للغاية، أما الطامة الكبرى وهي طلبه الدائم والفرض علي بالقوة لمعاشرتي بالطريقة التي حرمها الله والتي يهتز لها عرش السماء ( بالتأكيد أنت تفهم قصدي جيدا )، إجباري على التنازل له عن ميراثي من أبي وذلك بعقد عن طريق محامي قريب له وبدون شهود، وغيرها وغيرها من الأشياء التي لو ذكرتها جميعا لاحتجت إلى مئات الصفحات لكني لا أريد أن أطيل على سيادتكم .
تركت البيت بعد أن ضاق صدري بكل ما يحدث وطلبت مه الطلاق لكنه لم يقبل ورجع هو إلى بلدنا الأم، قمت بالاتصال به وطلبت منه الطلاق مرة أخرى فقام بمساومتي وطلب مني نقودا وبالفعل أرسلت له هذه النقود ومعي ما يثبت ذلك إلا أنه ماطل مرة أخرى، وبعد محاولات كثيرة طلقني في بلدنا الأم وفرحت لذلك كثيرا .
وفي أثناء هذه الفترة تقدم إلى شخص آخر لخطبتي على خلق ودين إلا أنه سمع بذلك الأمر وأرجعني إلى عصمته قبل انتهاء فترة العدة بـثلاثة أيام غيابيا مع العلم بأنه تزوج من أخرى وله حياته حتى أبنائه لا يسأل عنهم بأي شكل من الأشكال .
بعد ذلك أقمت دعوى قضائية في البلد لأجنبي التي أعيش فيها لطلب الطلاق وكسبتها لأن أسبابي قوية وبالفعل تم الطلاق عن طريق المحكمة المدنية في تلك البلد . علما بأنني قد اعتبرت هذا الطلاق مثل الخلع الذي حلله الله وذلك لأنني قد تنازلت عن كل حقوقي كما أنه قد استرد المهر المقدم وأكثر منه بكثير .
والآن سؤالي لك سيدي، هل هذا الطلاق يعتبر شرعيا أم أنني مازلت على عصمته ؟ وهل يحق لي الآن شرعيا الزواج من آخر أم لا ؟؟ علما بأن معي الآن طلاقا رسميا من البلد الأجنبي التي أعيش فيها وذلك منذ عام كامل.
أرجو منك سيدي أن ترد على رسالتي في أقرب وقت ممكن فأنا في حيرة من أمري ولا أريد أن أغضب الله .
جزاكم الله خيرا وأعتذر عن الإطالة في رسالتي .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمثل هذا النوع من القضايا تفصل فيه المحاكم الشرعية أو من يقوم مقامها فهي صاحبة الاختصاص في حل أمور المناكرات والدعاوي، أما الفتوى من بعيد فلا تفيد في هذا النوع إفادة كبيرة، وعلى العموم ليس للزوج حق في عضل زوجته بالصورة المذكورة، فإن هذا من الاستهزاء بآيات الله، وفي ذلك نزل قوله تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللهِ هُزُوًا {البقرة:231} قال ابن كثير في التفسير: "كان الرجل يطلق المرأة فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها ضرارا لئلا تذهب إلى غيره ثم يطلقها فتعتد فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة فنهاهم الله عن ذلك وتوعدهم عليه فقال: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أي بمخالفته أمر الله تعالى" انتهى

كما أن طريقته المذكورة في معاشرتها من كبائر الذنوب كما سبق بيانه في الفتوى رقم:8130 ، ولا يجوز لها طاعته في ذلك.

ولها حق طلب الطلاق للضرر، فإن أجاب الزوج وإلا طلق عنه القاضي، أو من يقوم مقامه من مركز إسلامي ونحوه، وليس للزوج أخذ العوض في الخلع إذا كان الضرر منه على الزوجة، كما سبق في الفتوى رقم: 49317.

وإذا كان الزوج قد أخذ العوض الذي بذلته له زوجته، وقبل ما تنازلت له منه من حقها مقابل إنهاء العصمة، فإن الخلع يقع عليه ولو لم يتلفظ به كما نص عليه أهل العلم. قال في مختصر خليل للخرشي: ( ص ) وكفت المعاطاة ( ش ) أي كأن تعطيه شيئا على وجه يفهم منه أنه في نظير العصمة ويفعل فعلا يدل على قبول ذلك ) انتهى، قال في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك(لو أعطته المال في نظير الطلاق من غير تعليقه على شيء، وقبله وقع الطلاق بائنا، وإن لم يتلفظ بشيء قال في المختصر: وكفت المعاطاة الخرشي كأن تعطيه شيئا على وجه يفهم منه أنه في نظير العصمة، وكأن تدفع له دراهم، ويقبل منها ذلك ا هـ المجموع، وكفت المعاطاة حيث فهم الخلع ا هـ،) انتهى

وكان ينبغي للأخت أن تلجأ إلى المركز الإسلامي في بلد إقامتها لحل قضيتها، أو لتحديد الحق الذي لها أن تطالب به عن طريق القانون الوضعي، أما اللجؤ إلى القانون الوضعي ابتداء فلا يجوز، فقد نص البيان الختامي للمؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، المنعقد بكوبنهاجن- الدانمارك مع الرابطة الإسلامية، في الفترة من 4-7 من شهر جمادى الأولى لعام ألف وأربعمائة وخمسة وعشرين من الهجرة الموافق 22-25 من يونيو لعام ألفين وأربعة من الميلاد على (أنه يرخص في اللجوء إلى القضاء الوضعي عندما يتعين سبيلا لاستخلاص حق أو دفع مظلمة في بلد لا تحكمه الشريعة، شريطة اللجوء إلى بعض حملة الشريعة لتحديد الحكم الشرعي الواجب التطبيق في موضوع النازلة، والاقتصار على المطالبة به والسعي في تنفيذه.) كما تطرق البيان إلى (أن اللجوء إلى القضاء الوضعي لإنهاء الزواج من الناحية القانونية لا يترتب عليه وحده إنهاء الزواج من الناحية الشرعية، فإذا حصلت المرأة على الطلاق المدني فإنها تتوجه به إلى المراكز الإسلامية وذلك على يد المؤهلين في هذه القضايا من أهل العلم لإتمام الأمر من الناحية الشرعية) انتهى

وعليه فعلى الأخت أن تتوجه إلى المركز الإسلامي لإتمام الأمر من الناحية الشرعية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني