( كتاب الاعتكاف ) :
الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان وفي بيان شرائط صحته وفي بيان ركنه ويتضمن بيان محظورات الاعتكاف وما يفسده وما لا يفسده وفي بيان حكمه إذا فسد وفي بيان حكمه إذا فات عن وقته المعين له أما الأول فالاعتكاف في الأصل سنة وإنما يصير واجبا بأحد أمرين ، أحدهما : قول وهو النذر المطلق ، بأن يقول : لله علي أن أعتكف يوما أو شهرا أو نحو ذلك ، أو علقه بشرط ، بأن يقول : إن شفى الله مريضي ، أو إن قدم فلان فلله علي أن أعتكف شهرا أو نحو ذلك . صفة الاعتكاف
والثاني فعل ، وهو الشروع ; لأن الشروع في التطوع ملزم عندنا كالنذر ، والدليل على أنه في الأصل سنة ، مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم فإنه روي عن عائشة رضي الله عنهما أنهما قالا : { وأبي هريرة } وعن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان حتى توفاه الله تعالى الزهري أنه قال : عجبا للناس تركوا الاعتكاف وقد { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل الشيء ويتركه ولم يترك الاعتكاف منذ دخل المدينة إلى أن مات } .
ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه دليل كونه سنة في الأصل ولأن الاعتكاف تقرب إلى الله تعالى بمجاورة بيته والإعراض عن الدنيا والإقبال على خدمته لطلب الرحمة وطمع المغفرة حتى قال عطاء الخراساني مثل المعتكف مثل الذي ألقى نفسه بين يدي الله تعالى يقول : لا أبرح حتى يغفر لي ; ولأنه عبادة لما فيه من إظهار العبودية لله تعالى بملازمة الأماكن المنسوبة إليه .
والعزيمة في العبادات القيام بها بقدر الإمكان وانتفاء الحرج ، وإنما رخص تركها في بعض الأوقات فكان الاشتغال بالاعتكاف اشتغالا بالعزيمة حتى لو نذر به يلتحق بالعزائم الموظفة التي لا رخصة في تركها والله أعلم .