الباب الثالث صحة الأمة ومرضها وموتها
الأمم بشكل عام كالأفراد، تنتابها حالات الصحة والمرض والوفاة، ولها أعمار وآجال، وحين تمضي الأمم في مراحل الصحة والمرض والموت، فإنها تسير طبقا لقوانين محددة ومراحل مقدرة تحكمها الأسباب والنتائج، وتصاحبها الأعراض والمضاعفات، حتى تنتهي الأمة إلى أجلها ومصيرها المحتوم. وإلى هـذه الحقيقة يشير قوله تعالى: ( ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) [الأعراف:34]، ( لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) [يونس:49]، ( وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم * ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ) [الحجر:4،5].
والأسباب التي تؤدي إلى مرض الأمم وتسوقها إلى آجالها، هـي أيضا أسباب مرض الأفراد وآجالهم: أي هـي أسباب طبيعية تتمثل في الهرم وانتهاء زمن الابتلاء المقدر في الحياة، وأسباب مرضية تتمثل في مخالفة قواعد صحة الأمم، واقتراف أسباب المرض أو الوفاة. والأسباب الطبيعية لا سبيل إلى التحكم بها مثل انتهاء أجل الأمة التي أخرجت على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتي أشار إلى أجلها بقوله: ( إن لكل أمة أجلا، وإن لأمتي مائة سنة، فإذا مرت على أمتي مائة أتاها ما وعد الله ) [1] أما الأسباب المرضية فيمكن التدخل بها إيجابا وسلبا، مثلما يمكن التدخل في أسباب صحة الأفراد وأمراضهم ووفاتهم. ويحتاج العاملون في ميادين (إخراج الأمة) ورعايتها، إلى التمييز بين: أسباب مرض الأمم، وأعراضه، ومراحله. فالأسباب [ ص: 111 ] المرضية تكون فكرية أساسها ما في الأنفس، من معتقدات وقيم وثقافات.. أما الأعراض فتكون سياسية واقتصادية واجتماعية.. وأما المراحل فتكون سياسية. والخلط بين الأسباب والأعراض والمراحل، يتسبب في الاضطراب والارتباك في ميادين التربية والدعوة والمعالجة، فيشتغل المعالجون بالأعراض بدل الأسباب.. أو يخطئون ترتيب الأسباب والمراحل، أو يخطئون في استعمال وسائل العلاج وطرائقه، أو يخطئون في توفير المؤسسات اللازمة لذلك، وهكذا.
والرسول صلى الله عليه وسلم يوجه إلى أسباب مرض الأمم وموتها، وإلى أعراض هـذا المرض ومراحله في أحاديث كثيرة ومتنوعة مستهدفا تحريك إرادات المسلمين لاستعماله قدراتهم العقلية، والحسية للبحث في الأسباب، وتشخيص الأعراض، وتحديد وسائل العلاج.
ويتحدث صلى الله عليه وسلم عن مراحل صحة الأمة ومرضها ووفاتها فيقول: " إن هـذا الأمر بدأ رحمة ونبوة، ثم يكون رحمة وخلافة،ثم كائن ملكا عضوضا، ثم كائن عتوا وجبرية وفسادا في الأرض، يستحلون الحرير والفروج، ويرزقون على ذلك وينصرون حتى يلقوا الله عز وجل " [2] أما تفاصيل المراحل الثلاث وما يرافقها من أسباب وأعراض، ومضاعفات ونتائج، فهي كما يلي: [ ص: 112 ]