ص ( وإن شك في إصابتها الثوب وجب نضحه )
ش : لما تكلم على حكم ما أتبع ذلك بالكلام على ما إذا شك في ذلك وهو على ثلاثة أوجه : الأول أن يشك في الإصابة أي هل أصابته النجاسة أم لا . إذا تحقق النجاسة وتحقق إصابتها
والثاني أن يتحقق الإصابة ويشك في المصيب هل هو نجس أم لا .
والثالث أن يشك فيهما أي في الإصابة ، وفي نجاسة المصيب وذكر الباجي - رحمه الله تعالى - من أقسام الشك قسما آخر وهو إذا تحقق إصابة النجاسة وشك في الإزالة ، قال : ولا خلاف في وجوب الغسل ; لأن النجاسة متيقنة فلا يرتفع حكمها إلا بيقين وبدأ المصنف بالكلام على الوجه الأول ، والضمير في إصابتها للنجاسة يعني أن المكلف إذا تحقق نجاسة شيء وشك هل أصاب ذلك الشيء النجس ثوبه ، أو لم يصبه فإنه يجب عليه أن ينضحه وسيأتي تفسير النضح قال في التوضيح وهذا القسم متفق فيه على النضح وقال ابن بشير : يلزم النضح فيه بلا خلاف .
( قلت : ) حكى في رسم البز من سماع ابن رشد ابن القاسم أن ابن لبابة ذهب إلى غسل ما شك فيه من الأبدان والثياب ولم ير النضح إلا مع الغسل في الموضع الذي ورد فيه الحديث يعني قوله اغسل ذكرك وأنثييك وانضح وحكي ذلك عن ابن نافع قال ابن رشد : وهو خروج عن المذهب ولعل ابن بشير لم يعتبره ، ولهذا جزم بنفي الخلاف إلا أن قوله يلزم النضح بلا خلاف يقتضي وجوب النضح من غير خلاف وقد قال سند : اختلف في قال النضح هل هو واجب [ ص: 166 ] أو مستحب عبد الوهاب مستحب ; لأنه لا يزيل شيئا وظاهر المذهب أنه واجب فتحصل في ذلك ثلاثة أقوال وجوب النضح واستحبابه ووجوب الغسل ، وعلى الأول مشى المصنف لقول سند إنه ظاهر المذهب ، وكذا قال صاحب اللباب إنه ظاهر المذهب ودليله أمره عليه الصلاة والسلام في حديث الصحيحين بنضح الحصير الذي اسود من طول ما لبث وذلك لحصول الشك فيه ، وقول رضي الله تعالى عنه حين شك في ثوبه هل أصابه مني : اغسل ما رأيت وانضح ما لم تر ، وقال عمر في المدونة مستدلا على ثبوت النضح بعمل الصحابة والتابعين هو من أمر الناس . مالك
فظاهر كلام صاحب الجمع أن ابن لبابة يقول بعدم وجوب الغسل والنضح فيما شك فيه فإنه قال وخالفنا الإمام الشافعي ووافقهما وأبو حنيفة ابن لبابة هنا ; لأن الثوب إذا لم يكن فيه نجاسة فلا فائدة في النضح ، وإن كانت فيه فالنضح ينشرها ا هـ . إلا أن يكون مراده أن ابن لبابة يوافقهما في القول بعدم النضح ، وإن خالفهما في وجوب غسل ما شك فيه ، وتقييد المصنف المسألة بالثوب احتراز من الجسد فإنه سيذكر حكمه ، ويأتي - إن شاء الله تعالى - هناك الكلام على غيرهما ، ومثل المسألة بما إذا ابن الحاجب قال في التوضيح وهذا إذا كان الثوب مصبوغا يخفى أثر الدم فيه فإن كان أبيض فلا أثر للاحتمال وهو وهم قال معناه في شك الجنب ، أو الحائض هل أصاب ثوبهما شيء أم لا ؟ الجلاب ا هـ .
ونحوه في كلام ابن عرفة فيمن ترك النضح ، وكذا لو فإنه يغسل ما رأى وينضح ما لم ير . نام في ثوبه ورأى في جهة منه بللا وشك في الأخرى هل أصابها شيء أم لا
( تنبيه ) علم مما ذكره في التوضيح أن النضح إنما يجب مع الشك ، والشك تساوي الطرفين فأما الوهم فلا أثر له ، ولو كان له شبهة . وأما الظن فلم أر من تعرض له إلا صاحب النوادر فإنه قال بعد ذكره النضح للشك ، وكذلك إن ظن أن في ثوبه نجاسة فليرشه ا هـ .
( قلت : ) وهذا - والله أعلم - لأن الشارع لم يعول في أمر النجاسة إلا على المحقق فأجاز الصلاة بالنعال التي يمشى بها في الطرقات ، وفي موضع قضاء الحاجة ونحو ذلك كما أشار إلى ذلك القرافي في الفرق التاسع والثلاثين بعد المائتين وقبله ابن راشد ، وقال الشيخ . والمزيل للوسواس أن يعلم أن الأشياء خلقت طاهرة بيقين فما لا يشاهد عليه نجاسة ، ولا يعلمها يقينا يصلي به ولا ينبغي أن يتوصل بالاشتباه إلى تقدير النجاسات ا هـ . فالظاهر وجوب الغسل ; لأن الأحكام الشرعية مناطة بغلبة الظن ، وفي رسم نذر من سماع أبو حامد الغزالي عيسى وسألته عن قال أما إن كان نداه شبيها بالغبار فليرشه ، ولا شيء عليه ، وإن كان بللا أو شبيها به فليغسله قال جدار المرحاض يكون نديا يلصق به الرجل ثوبه ابن رشد إذا كان شبيها بالغبار فلا يوقن بتعلقه بثوبه فكذلك قال ينضحه ; لأن النضح طهور لما شك في نجاسته من الثياب وإن كان بللا ، أو شبيها بالبلل فلا إشكال في وجوب غسله لتعلقه بثوبه ا هـ . ونقله ابن عرفة .
فهذا يدل على أنه إذا غلب على الظن وصول النجاسة للثوب وجب الغسل ; لأنه إذا كانت نداوة الجدار شبيهة بالبلل يغلب على الظن وصولها للثوب ، وقال في النوادر أيضا قال عن علي فيمن بال في ريح فظن أن الريح ردت عليه من بوله فليغسله إن أيقن بذلك ولا ينضحه ا هـ . فتأمله والله - تعالى - أعلم . مالك