الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وإلا حلف بطلبه ) أي ، وإن لم يكن للمدعي بينة حلف القاضي المدعى عليه بطلب المدعي لقوله عليه السلام للمدعي { ألك بينة فقال لا فقال لك يمينه } سأل ورتب اليمين على فقدان البينة فلا بد من السؤال ليمكنه الاستحلاف ، ولا بد من طلبه اليمين ; لأن اليمين حقه ، قيد بتحليف القاضي ; لأن المدعى عليه لو حلف بطلب المدعي يمينه بين يدي القاضي من غير استحلاف القاضي فهذا ليس بتحليف ; لأن التحليف حق القاضي كذا في الخلاصة ، ولو اصطلحا على أن يحلف عند غير القاضي ويكون بريا فهو باطل فلو برهن عليه يقبل ، وإلا يحلف ثانيا عند القاضي كذا في البزازية .

                                                                                        وأشار إلى أن إبراء المدعي عن التحليف غير صحيح لكونه حق القاضي كما في البزازية أيضا ، وفي منية المفتي حلفه في مجلس قاض ليس له أن يحلفه ثانيا ، ولو حلفه عند قوم له أن يحلفه ثانيا عند القاضي ، ولو قال المدعى عليه حين أراد القاضي تحليفه إنه حلفني على هذا المال عند قاض آخر أو أبرأني عنه إن برهن قبل واندفع عنه الدعوى ، وإلا قال الإمام البزدوي : انقلب المدعي مدعى عليه فإن نكل اندفع الدعوى ، وإن حلف لزم المال ; لأن دعوى الإبراء عن المال إقرار بوجوب المال عليه بخلاف دعوى الإبراء عن دعوى المال كذا في البزازية .

                                                                                        ثم اعلم أنه لا تحليف إلا بعد طلب المدعي عندهما في جميع الدعاوى وعند أبي يوسف يستحلف بلا طلب في أربع مواضع في : الرد بالعيب يحلف المشتري بالله ما رضيت بالعيب والشفيع بالله ما أبطلت شفعتك والمرأة إذا طلبت فرض النفقة على زوجها الغائب تحلف بالله ما خلف لك زوجك الغائب شيئا ، ولا أعطاك النفقة . والرابع يحلف المستحق بالله ما بعت ، وهذا بناء على جواز تلقين الشاهد ، وأجمعوا على أن من ادعى دينا على الميت يحلفه القاضي بلا طلب الوصي والوارث بالله ما استوفيت من المديون ، ولا من أحد أداه إليك عنه ، ولا قبضه لك قابض بأمرك ، ولا أبرأته منه ، ولا شيئا منه ، ولا أحلت بشيء من ذلك أحدا ، ولا عندك به ، ولا بشيء منه رهن كذا في البزازية وظاهر كلام المؤلف أنه لا يحلف مع وجود البرهان قلت إلا في مسائل الأولى تحليف مدعي الدين على [ ص: 204 ] الميت إذا برهن فإنه يحلف كما وصفنا ، وهي في الخلاصة ، ولا خصوصية لدعوى الدين بل في كل موضع يدعي حقا في التركة ، وأثبته بالبينة فإنه يحلف من غير خصم أنه ما استوفى حقه ، وهو مثل حقوق الله تعالى يحلف من غير دعوى كذا في الولوالجية ، ولم أر حكم من ادعى أنه دفع للميت دينه وبرهن هل يحلف وينبغي أن يحلف احتياطا الثانية المستحق للمبيع بالبينة للمستحق عليه تحليفه بالله ما باعه ، ولا وهبه ، ولا تصدق به ، ولا خرجت العين عن ملكه بوجه من الوجوه كما في جامع الفصولين من فصل الاستحقاق .

                                                                                        الثالثة يحلف مدعي الآبق مع البينة بالله أنه باق على ملكك إلى الآن لم يخرج ببيع ، ولا هبة كما في آباق فتح القدير ، وفي منية المفتي الصبي العاقل المأذون له يستحلف ويقضى عليه بنكوله ، ولا يستحلف الأب في مال الصبي ، ولا الوصي في مال اليتيم والمتولي في مال الوقف وتحليف الأخرس أن يقال له عليك عهد الله ، وميثاقه أنه كان كذا فيشير بنعم ادعى على آخر دينا مؤجلا فأنكر لا يحلف في أظهر القولين ادعى على عبد محجور حقا يؤاخذ به بعد العتق فإن أنكر يحلف . ا هـ .

                                                                                        وفي خزانة المفتين من عليه دين مؤجل ، وأراد أن يحلفه عند القاضي ينبغي للمدعى عليه أن يسأل القاضي أن المدعي يدعي نسيئة أم حالة فإن قال حالة يحلف بالله ما له علي هذه الدراهم التي يدعيها ويسعه ذلك . ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط ذكر محمد في الاستحلاف لو قال المغصوب منه كانت قيمة ثوبي مائة ، وقال الغاصب ما أدري ما قيمته ، ولكن علمت أن قيمته لم تكن مائة فالقول قول الغاصب مع يمينه ويجبر على البيان ; لأنه أقر بقيمة مجهولة فإذا لم يبين يحلف على ما يدعي المغصوب منه في الزيادة فإن حلف يحلف المغصوب منه أيضا أن قيمة ثوبه مائة ويأخذ من الغاصب مائة فإذا أخذ ثم ظهر الثوب فالغاصب بالخيار إن شاء رضي بالثوب وسلم القيمة للمغصوب منه ، وإن شاء رد الثوب ، وأخذ القيمة ، وهذا من خواص هذا الكتاب وغرائب مسائله فيجب حفظها . ا هـ . بلفظه .

                                                                                        [ ص: 203 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 203 ] ( قوله : إن برهن إلخ ) فيه تأمل فإنه عند دعواه الإبراء صار مدعيا ( قوله : بخلاف دعوى الإبراء عن دعوى المال ) سيأتي بيانها قريبا عند قوله ، وقضي له إن نكل مرة [ ص: 204 ] ( قوله : وأثبته بالبينة ) قال الرملي قيد به ; لأنه لو أقر به الوارث أو نكل عن اليمين المتوجهة عليه لا يحلف كما يعلم من مسألة إقرار الورثة بالدين وكما يعلم مما قدمه في المقولة قبل هذه من كون الإقرار حجة بنفسه بخلاف البينة تأمل لكن ذكر في خزانة أبي الليث خمسة نفر جائز للقاضي تحليفهم ثم قال ورجل ادعى دينا في التركة يحلفه القاضي بالله العظيم جل ذكره ما قبضته . ا هـ .

                                                                                        فهذا مطلق ، وما هنا مقيد بما إذا أثبته بالبينة وتعليلهم بأنه حق الميت ربما يعكر على ما تقدم ، وقد يقال التركة ملكهم خصوصا عند عدم دين على الميت ، وقد صادف إقرارهم ملكهم فأنى يرد بخلاف البينة فإنها حجة قائمة من غيرهم عليهم فيحتاط فيها ، وأما الإقرار فهو حجة منهم على أنفسهم فلا يتوقف على شيء آخر ، وأقول : ينبغي أن يحلفه القاضي مع الإقرار فيما إذا كان في التركة دين مستغرق لعدم صحة إقرارهم فيها والحال هذه فيحلفه القاضي بطلب الغرماء إذا أقام بينة وبغير طلبهم لكن إذا صدقوه شاركهم ; لأنهم أقروا بأن هذا الشيء الذي هو بينهم خاص بهم لهذا فيه شركة معنا بقدر دينه تأمل ( قوله : فإنه يحلفه من غير خصم ) قال الرملي بل ، وإن أبى الخصم كما صرح به في البزازية معللا بأنه حق الميت ( قوله : وينبغي أن يحلف احتياطا ) قال الرملي ينبغي أن لا يتردد في التحليف أخذا من قولهم الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها ، وإذا كان كذلك فهو قد ادعى حقا للميت . ا هـ .

                                                                                        ذكره الغزي وأقول : ينبغي أن يقال بدل اللام على كما هو ظاهر وأقول : قد يقال إنما يحلف في مسألة مدعي الدين على الميت احتياطا لاحتمال أنهم شهدوا باستصحاب الحال وقد استوفى في باطن الأمر ، وأما في مسألة دفع الدين فقد شهدوا على حقيقة الدفع فانتفى الاحتمال المذكور فكيف يقال ينبغي أن لا يتردد في التحليف تأمل




                                                                                        الخدمات العلمية