. الكلام في الصلاة
( قال ) رحمه الله تعالى أخبرنا الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود أبي وائل عن عبد الله قال { الحبشة فيرد علينا وهو في الصلاة فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيته لأسلم عليه فوجدته يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي فأخذني ما قرب وما بعد ، فجلست حتى إذا قضى صلاته أتيته فقال إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث الله عز وجل أن لا تتكلموا في الصلاة } أخبرنا كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة قبل أن نأتي أرض الربيع قال أخبرنا قال [ ص: 147 ] أخبرنا الشافعي عن مالك بن أنس عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين رضي الله عنه { أبي هريرة ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق ذو اليدين ؟ فقال الناس : نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين آخرتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده ، أو أطول ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده ، أو أطول ثم رفع } أخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له الربيع قال أخبرنا قال أخبرنا الشافعي عن مالك عن داود بن الحصين أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد قال سمعت يقول : { أبا هريرة ذو اليدين : أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال أصدق ذو اليدين ؟ فقالوا نعم فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم } أخبرنا صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم من ركعتين فقال الربيع قال أخبرنا قال أخبرنا الشافعي عن عبد الوهاب الثقفي خالد الحذاء عن عن أبي قلابة أبي المهلب عن قال { عمران بن حصين الخرباق رجل بسيط اليدين فنادى يا رسول الله ، أقصرت الصلاة ؟ فخرج مغضبا يجر رداءه فسأل فأخبر فصلى تلك الركعة التي كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم } . سلم النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام
( قال ) فبهذا كله نأخذ فنقول إن حتما أن لا يعمد أحد للكلام في الصلاة وهو ذاكر ; لأنه فيها فإن فعل انتقضت صلاته وكان عليه أن يستأنف صلاة غيرها لحديث الشافعي عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ما لم أعلم فيه مخالفا ممن لقيت من أهل العلم . ابن مسعود
( قال ) ومن الشافعي بنى على صلاته وسجد للسهو ولحديث تكلم في الصلاة وهو يرى أنه قد أكملها ، أو نسي أنه في صلاة فتكلم فيها ذي اليدين وأن من تكلم في هذه الحال فإنما تكلم وهو يرى أنه في غير صلاة والكلام في غير الصلاة مباح وليس يخالف حديث حديث ابن مسعود ذي اليدين ، وحديث في الكلام جملة ودل حديث ابن مسعود ذي اليدين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين الكلام العامد والناسي ; لأنه في صلاة ، أو المتكلم وهو يرى أنه قد أكمل الصلاة .
[ ص: 148 ] الخلاف في الكلام في الصلاة .
( قال ) رحمه الله تعالى فخالفنا بعض الناس في الكلام في الصلاة وجمع علينا فيها حججا ما جمعها علينا في شيء غيره إلا في اليمين مع الشاهد ومسألتين أخريين . الشافعي
( قال ) فسمعته يقول حديث الشافعي ذي اليدين حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء قط أشهر منه ومن حديث { } وهو أثبت من حديث { العجماء جبار } ولكن حديث العجماء جبار ذي اليدين منسوخ فقلت : ما نسخه ؟ قال حديث ثم ذكر الحديث الذي بدأت به الذي فيه { ابن مسعود } . : إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء ، وإن مما أحدث الله أن لا تتكلموا في الصلاة
( قال ) فقلت له والناسخ إذا اختلف الحديثان الآخر منهما قال نعم فقلت له : أولست تحفظ في حديث الشافعي هذا { ابن مسعود أن مر على النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود بمكة قال : فوجدته يصلي في فناء الكعبة } وأن هاجر إلى أرض ابن مسعود الحبشة ثم رجع إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا ؟ قال بلى ( قال ) : فقلت له فإذا كان مقدم الشافعي على النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود بمكة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ثم كان يروي { عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى جذعا في مؤخر مسجده } أليس تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في مسجده إلا بعد هجرته من مكة ؟ قال : بلى ، قلت : فحديث يدلك على أن حديث عمران بن حصين ليس بناسخ لحديث ابن مسعود ذي اليدين يقول : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فلا أدري ما صحبة ، وأبو هريرة ، فقلت : له قد بدأنا بما فيه الكفاية من حديث أبي هريرة الذي لا يشكل عليك عمران إنما صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو هريرة بخيبر { صحبت النبي صلى الله عليه وسلم أبو هريرة بالمدينة ثلاث سنين ، أو أربعا } قال وقال الربيع أنا شككت " وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنين سوى ما أقام بمكة بعد مقدم وقبل أن يصحبه ابن مسعود ، أفيجوز أن يكون حديث أبو هريرة ناسخا لما بعده ؟ قال : لا ( قال ابن مسعود ) : وقلت له : ولو كان حديث الشافعي مخالفا حديث ابن مسعود أبي هريرة كما قلت وكان عمد الكلام وأنت تعلم أنك في صلاة كهو إذا تكلمت وأنت ترى أنك أكملت الصلاة ، أو نسيت الصلاة كان حديث وعمران بن الحصين منسوخا وكان الكلام في الصلاة مباحا ولكنه ليس بناسخ ولا منسوخ ولكن وجهه ما ذكرت من أنه لا يجوز الكلام في الصلاة على الذكر أن المتكلم في الصلاة وإذا كان هكذا تفسد الصلاة ، وإذا كان النسيان والسهو ، وتكلم وهو يرى أن الكلام مباح بأن يرى أن قد قضى الصلاة ، أو نسي أنه فيها لم تفسد الصلاة . ابن مسعود
( قال ) فقال وأنتم تروون أن محمد بن إدريس ذا اليدين قتل ببدر .
( قلت ) : فاجعل هذا كيف شئت أليست صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في حديث عمران بن الحصين والمدينة إنما كانت بعد حديث ابن مسعود بمكة قال : بلى ( قلت ) : وليست لك إذا كان كما أردت فيه حجة لما وصفت وقد كانت بدر بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بستة عشر شهرا .
( قال ) : أفذو اليدين الذي رويتم عنه المقتول ببدر ( قلت ) : لا يسميه عمران الخرباق ويقول قصير اليدين ، أو مديد اليدين والمقتول ببدر ذو الشمالين ولو كان كلاهما ذو اليدين كان اسما يشبه أن يكون وافق اسما كما تتفق الأسماء .
( قال ) : فقال بعض من يذهب مذهبه فلنا حجة أخرى قلنا : وما هي ؟ قال : { الشافعي معاوية بن الحكم حكي أنه تكلم في الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام بنيآدم } . [ ص: 149 ] أن
( قال ) : فقلت له فهذا عليك ولا لك إنما يروى مثل قول الشافعي سواء والوجه فيه ما ذكرت . ابن مسعود
( قال ) فإن قلت هو خلافه .
( قلت ) فليس ذلك لك ونكلمك عليه فإن كان أمر قبل أمر معاوية ذي اليدين فهو منسوخ ويلزمك في قولك أن يصلح الكلام في الصلاة كما يصلح في غيرها وإن كان معه ، أو بعده فقد تكلم فيما حكيت وهو جاهل بأن الكلام غير محرم في الصلاة ولم يحك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بإعادة الصلاة فهو في مثل معنى حديث ذي اليدين ، أو أكثر ; لأنه تكلم عامدا للكلام في حديثه إلا أنه حكي أنه تكلم وهو جاهل أن الكلام لا يكون محرما في الصلاة .
( قال ) هذا في حديثه كما ذكرت ( قلت ) فهو عليك إن كان على ما ذكرته وليس لك إن كان كما قلنا ( قال ) فما تقول ( قلت ) : أقول : إنه مثل حديث وغير مخالف حديث ابن مسعود ذي اليدين ( قال ) فقال : فإنكم خالفتم حين فرعتم حديث محمد بن إدريس ذي اليدين ( قلت ) : فخالفناه في الأصل قال : لا ولكن في الفرع ( قلت ) : فأنت خالفته في نصه ومن خالف النص عندك أسوأ حالا ممن ضعف نظره فأخطأ التفريع قال نعم وكل غير معذور .
( قال محمد ) : فقلت له : فأنت خالفت أصله وفرعه ولم نخالف نحن من فرعه ولا من أصله حرفا واحدا فعليك ما عليك في خلافه وفيما قلت من أنا خالفنا منه ما لم نخالفه ( قال ) : فأسألك حتى أعلم أخالفته أم لا ( قلت ) : فسل ( قال ) : ما تقول في ( قلت ) : أمأموم الذي أخبره والذين شهدوا أنه صدق وهم على ذكر من أنه لم يقض صلاته فصلاتهم فاسدة . إمام انصرف من اثنتين فقال له بعض من صلى معه قد انصرفت من اثنتين فسأل آخرين فقالوا صدق
( قال ) فأنت رويت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى وتقول قد قضى معه من حضر وإن لم تذكره في الحديث قلت : أجل ( قال ) : فقد خالفته ( قلت ) : لا ولكن حال إمامنا مفارقة حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال ) : فأين افتراق حاليهما في الصلاة والإمامة .
( قال ) فقلت له إن الله عز وجل كان ينزل فرائضه على رسوله صلى الله عليه وسلم فرضا بعد فرض فيفرض عليه ما لم يكن فرضه عليه ويخفف بعض فرضه قال : أجل ( قلت ) : ولا نشك نحن ولا أنت ولا مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينصرف إلا وهو يرى أن قد أكمل الصلاة قال : أجل ( قلت ) : فلما فعل لم يدر محمد بن إدريس ذو اليدين أقصرت الصلاة بحادث من الله عز وجل أم نسي النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك بينا في مسألته إذ قال : أقصرت الصلاة أم نسيت ، قال : أجل ( قلت ) ولم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم من ذي اليدين إذ سأل غيره قال : أجل ( قال ) ولما سأل غيره احتمل أن يكون سأل من لم يسمع كلامه فيكون مثله واحتمل أن يكون سأل من سمع كلامه ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه ، فلما لم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه كان في معنى ذي اليدين من أنه لم يستدل للنبي صلى الله عليه وسلم بقول ، ولم يدر أقصرت الصلاة أم نسي النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه ومعناه من معنى ذي اليدين من أن الفرض عليهم جوابه ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبروه فقبل قولهم ولم يتكلم ولم يتكلموا حتى بنوا على صلاتهم .
( قال ) ولما قبض الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائضه فلا بدل فيها ولا ينقص منها أبدا قال نعم . الشافعي
( قال ) : فقلت هذا فرق بيننا وبينه فقال من حضره هذا فرق بين لا يرده عالم لبيانه ووضوحه ( قال الشافعي ) فقال : إن من أصحابكم من قال الشافعي لم يفسد صلاته ( قال : ما تكلم به الرجل في أمر الصلاة ) فقلت له إنما الحجة علينا ما قلنا لا ما قال غيرنا ( قال الشافعي ) وقال قد كلمت غير واحد من أصحابك فما احتج بهذا ولقد قال العمل على هذا . الشافعي
( قال ) فقلت له قد أعلمتك أن العمل ليس له معنى ولا حجة لك علينا بقول غيرنا قال : أجل فقلت فدع ما لا حجة لك [ ص: 150 ] فيه . محمد بن إدريس
( قال ) : وقلت له لقد أخطأت في خلافك حديث محمد بن إدريس ذي اليدين مع ثبوته وظلمت نفسك بأنك زعمت أنا ومن قال به نحل الكلام والجماع والغناء في الصلاة وما أحللنا ولا هم من هذا شيئا قط وقد زعمت أن المصلي إذا سلم قبل أن تكمل الصلاة وهو ذاكر ; لأنه لم يكملها فسدت صلاته ; لأن السلام زعمت في غير موضعه كلام وإن سلم وهو يرى أنه قد أكمل بنى فلو لم يكن عليك حجة إلا هذا كفى بها عليك حجة ونحمد الله على عيبكم خلاف الحديث وكثرة خلافكم له .