الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الاستثناء في الطلاق

                                                                                                                                                                                        ومن طلق زوجته وعلق ذلك بمشيئة فلا يخلو من أربعة أوجه: إما أن يعلق ذلك بمشيئة الله تعالي، أو بمشيئة آدمي؛ حي أو ميت، أو جماد، وقد تقدم في كتاب النذور ذكر الاستثناء بمشيئة الله عز وجل، فإن قال: أنت طالق إن شئت أو شئت أنت أو شاء فلان، لم يقع الطلاق إلا أن يوقعه هو أو هي أو فلان، فإن مات فلان قبل أن يعلم أو بعد أن علم، وقبل أن يقضي، أو لم يعلم هل قضى بشيء أم لا؟ بقيت زوجة، وكذلك إن كان فلان ميتا، ولم يعلم الزوج بموته، فلا شيء عليه، واختلف إذا كان عالما بموته، فقيل: لا شيء عليه، وقيل: يقع عليه الطلاق، ويعد نادما في قوله: إن شاء فلان. وإن قال: أنت طالق إن كلمت فلانا، إلا أن يشاء فلان، وفلان ميت، كانت اليمين منعقدة، فإن كلمه طلقت عليه، وإن قال: أنت طالق إن شاء هذا الحجر، أو لا كلمت فلانا إلا أن يشاء هذا الحجر، أو إن شاء هذا الحجر. افترق الجواب، واختلف إن قال: إن شاء هذا الحجر، فقال ابن القاسم: لا شيء عليه، وقال سحنون: يقع عليه الطلاق، ويعد نادما، وكذلك قوله: إن شاء هذا الحجر على [ ص: 2635 ] قول ابن القاسم لا شيء عليه، وقال أصبغ في كتاب محمد فيمن نازع امرأته فغضب فقال: أنت طالق إن شاء هذا العمود، إنها طالق، إذا لم تكن المنازعة في العمود أنه عمود، ويحمل على أنه نادم، وأرى أن يحلف في جميع ذلك وينوى إن كانت عليه بينة، وإن جاء مستفتيا لم يحلف إلا أن تقوم الزوجة وتدعي أنه نادم وتريد يمينه فيحلف؛ لأنه أتى بذلك نسقا، فكان حمله على أنه أراد ذلك أولى؛ لأن أدنى منازله أن يشك هل أراد ذلك أم لا، ولا يقطع أنه نادم، فلا تخرج من عصمته بالشك، قال أشهب في المجموعة: إن قال: والله لا أكلمك حتى يشاء هذا الحجر، فلا يكلمه أبدا؛ لأنه استثنى مشيئة من لا يشاء، واختلف إذا قال: أنت طالق ثلاثا أنت طالق ثلاثا إن فعلت كذا وكذا، قال مالك: يلزمه الطلاق بقوله الأول، والثاني ندم. وقال ابن القاسم: يحلف ما كان ذلك منه، إلا تكرارا، ثم هو على يمينه، وهذا أبين.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا قال: أنت طالق إلا أن يشاء فلان، فقيل: الطلاق لازم، ولا ينفعه استثناء; لأن الطلاق لا يرتفع بعد وقوعه; بخلاف قوله: إن شاء فلان، فإن الطلاق غير واقع حتى يوقعه فلان. وقال أصبغ في المنتخبة: إذا قال: أنت طالق إلا أن يمنعني أبي، فمنعه أبوه، فلا شيء عليه إذا منعه، فرد عليه، وهو بمنزلة من قال: إلا أن يشاء أبي، فلم يشأ أبوه، قال: وأصل ذلك قوله: أنت طالق إن شاء أبي، يريد أن قوله: إلا أن لا يشاء أبي، يبين أنه لم يرد أن يكون [ ص: 2636 ] وقوع الطلاق منه، وإنما أراد أن يكون موقوفا على ما يشاء أبوه، فإن كره لم يكن طلاقا.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية