الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في حيازة الأحباس

                                                                                                                                                                                        الأحباس تفتقر إلى حوز كالهبات، فإن بقي في يد المحبس ينتفع به أو لا ينتفع به، وأمكنه أن يصرفه فيما حبس فيه، أو غلته فلم يفعل حتى مات كان ميراثا، واختلف إذا لم يكن إصرافه فيما حبس له حتى مات.

                                                                                                                                                                                        والحبس أصناف: صنف لا يصح بقاء يد المحبس عليه، ولا يحتاج إلى حائز مخصوص وهي المساجد والقناطر والمواجل والآبار، فإذا خلى بين الناس وبينها صح حبسه، وصنف لا يصح بقاء يد المحبس عليه ويتعين حائزه وهو المحبس على معين إذا كان مما ينتفع بعينه كالديار لتسكن والعبيد لتخدم والدواب لتركب، وصنف يصح بقاء يده عليه إذا أنفذه فيما حبسه عليه كالخيل يغزى عليها والسلاح يقاتل بها والكتب ليقرأ فيها، فإذا لم يكن الحبس على معين صح أن يعود إلى يده بعد قبضه.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا لم يأت وقت العادة للجهاد، ولم يطلب الآخذ للغزاة حتى مات المحبس، فقيل: يبطل الحبس ولو كان يركب الدابة إذا عادت إليه ليروضها لم يفسد حبسه، وإن كان يركبها حسب ما يفعل المالك بطل حبسه، وقراءة الكتب إذا عادت إليه خفيف، وإن أنفذ بعض الحبس صح ما أنفذ، وإن قل وهو كحوز الكبير اليسير من صدقة الأب وصنفه مختلف فيه هل يصح بقاء يد المحبس عليه وهو كل حبس على غير معين، والمراد غلاته كالثمار والحوانيت وعبيد الخراج، وهذا الصنف على أربعة أوجه، فإن أخرجه عن يده [ ص: 3469 ] وأقام بحوزه وأنفذ غلاته صح .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا علم أنه كان ينفذ الغلة في الوجه الذي حبسه له أو كان جعله على يدي غيره وكان هو المخرج لغلاته هل تمضي، فقال مالك وابن القاسم: يبطل الحبس ، وقال مالك أيضا والمغيرة ومحمد بن مسلمة في المبسوط: الصدقة ماضية، وإن بقي في يديه إذا كان يخرج الغلة.

                                                                                                                                                                                        وقال مالك في كتاب محمد: إن أسلم ذلك إلى من يحوزه عنه والمحبس يقسم غلاته بين أهله جاز. وقال: وأباه ابن القاسم وأشهب .

                                                                                                                                                                                        وأرى ذلك في الوجهين جميعا; لأنه حبس أنفذ فيما حبس له، ولم يعد فيه محبسه ولا كان ينتفع به.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية