ولهذا قال عليه الصلاة والسلام { نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم } رواه من أصحابنا في كتاب العقل له بإسناده عن أبو الحسن التميمي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وخرجه ابن عباس الحافظ الضياء في المختارة من رواية أحمد بن زياد العتكي عن رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { ابن عمر أمرنا معشر الأنبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم } .
وقال الإمام : قال البخاري رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله . علي
وفي الآداب الكبرى قال : واكمداه من مخافة الأغيار . واحسرتاه من أجل استماع ذي جهالة للحق والإنكار . والله ما زال خواص عباد الله يتطلبون لنزوحهم بمناجاتهم رءوس الجبال والبراري والقفار ، لما يرونه من المنكرين لشأنهم من الأغمار . ابن عقيل
وقال : أتاني شعبة وأنا أحدث قوما فقال ويحك تعلق اللؤلؤ في أعناق الخنازير ؟ قال الأعمش مهنا للإمام رضي الله عنه : ما معنى قوله ؟ قال لا ينبغي أن يحدث من لا يستأهل . أحمد
وقال عيسى ابن مريم عليه السلام : للحكمة أهل فإن وضعتها في غير أهلها ضيعت ، وإن منعتها من أهلها ضيعت . كن كالطبيب يضع الدواء حيث ينبغي .
وقال عليه السلام : لا تطرح اللؤلؤ إلى الخنزير فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئا ، ولا تعط الحكمة من لا يريدها فإن الحكمة خير من اللؤلؤ ، ومن لا يريدها شر من الخنزير .
وقال : ذل وإهانة للعلم أن تتكلم به عند من يضيعه . مالك
ومن كلام الإمام رضي الله عنه : الشافعي
أأنثر درا بين سارحة النعم أأنظم منثورا لراعية الغنم
إلى أن قال :فمن منح الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم
والحاصل أن العلم كالسيف إن أعطيته لتقي قاتل به في سبيل الله وإن ألقيته لشقي قطع به الطريق وأضر عباد الله . وهذا مستثنى من عموم قوله { } . من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار
وأما عدم صيانة ناموس العلم ففي الصحيحين أن رضي الله عنهما قال للإمام ابن عباس رضي الله عنه : إن الموسم يجمع الرعاع والغوغاء فأمهل حتى تقدم عمر بن الخطاب المدينة فتخلص بأهل الفقه ، فقدمنا المدينة ، فقبل مشورة عمر فلم يتكلم بذلك حتى قدم ابن عباس المدينة . قال الإمام ابن الجوزي : وفي هذا تنبيه على أن لا يودع العلم عند غير أهله ، ولا يحدث لقليل الفهم ما لا يحتمله فهمه ، والرعاع السفلة ، والغوغاء نحو ذلك . وأصل الغوغاء صغار الجراد .
وفي تاريخ ابن النجار عن رضي الله عنه قال : قدمت على ابن المبارك سفيان الثوري بمكة فوجدته مريضا شاربا دواء ، فقلت له إني أريد أن أسألك عن أشياء ، قال فقل . فقلت أخبرني من الناس ؟ قال الفقهاء ، قلت قلت فمن الملوك ؟ قال الزهاد ، قلت فمن الأشراف ؟ قال الأتقياء ؟ قلت فمن الغوغاء ؟ قال الذين يكتبون الأحاديث يريدون أن يتأكلوا أموال الناس . قلت فمن السفلة ؟ قال الظلمة .
ولو أخذنا نتكلم على متعلقات العلم لطال الكتاب وأدى ذلك إلى الإطناب .
وهو وإن كان غزير الفوائد كبير الفرائد كثير العوائد غير أن أبناء الزمان [ ص: 59 ] لا يألفون التطويل ، وقد تركه الناس منذ أزمان .