مطلب : في تحقيق } إنه ليغان على قلبي الحديث . معنى قوله صلى الله عليه وسلم {
وفي مسند الإمام وصحيح أحمد وسنن مسلم أبي داود وغيرهم عن الأغر المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { } هذا لفظ إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة أبي داود ولفظ الإمام أحمد { ومسلم } قال : وسمعته يقول { إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم مائة مرة } . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا . : توبوا إلى ربكم فوالله إني لأتوب إلى ربي - تبارك وتعالى - مائة مرة في اليوم
قال أهل اللغة : هو بالغين المعجمة ، والغيم بمعنى واحد ، والمراد هنا الذي يغشى القلب . وقيل الغين لغة الغيم . وفي معنى الغين خلاف بين العلماء رضي الله عنهم . فقال بعضهم قد يكون هذا الغين السكينة التي تغشى قلبه لقوله تعالى { فأنزل الله سكينته على رسوله } والسكينة فعيلة من السكون الذي هو الوقار الذي هو فقد الحركة ويكون الاستغفار إظهارا للعبودية والافتقار وملازمة الخضوع وشكرا لما أولاه مولاه .
وقال القاضي عياض : ويحتمل أن هذا الغين حال خشية وإعظام يغشى القلب ويكون استغفاره شكرا . وقيل : كان عليه الصلاة والسلام في ترق من مقام إلى مقام .
فإذا ارتقى من المقام الذي كان فيه إلى مقام أعلى استغفر من المقام الذي كان فيه . وقيل : الغين شيء يغشى القلب ولا يغطيه كالغيم الذي يعرض في الهواء فلا يمنع ضوء الشمس . [ ص: 378 ] وقيل : هو همه بسبب أمته وما اطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم . وقيل : المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه ، فإذا فتر عنه أو غفل عد ذلك ذنبا فاستغفر منه . وقيل : غين أنوار لا غين أغيار والعدد المذكور في الحديث عدد للاستغفار لا للغين ، والله الموفق .
وروى من حديث ابن السني أبي أمامة مرفوعا { ما جلس قوم في مجلس فخاضوا في حديث واستغفروا الله - عز وجل - قبل أن يتفرقوا إلا غفر لهم ما خاضوا فيه } .
وروي عن رضي الله عنه أنه قال { أبي هريرة الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه فمن استطاع منكم أن يجيء بصوم مرقع فليفعل } . وقيل لبعض السلف : كيف أنت في دينك ؟ قال : أمزقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار . وقيل : إنه للذنوب كالصابون لإزالة الوسخ .
قال الإمام المحقق ابن القيم : قلت لشيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه يوما - : سئل بعض أهل العلم ؟ فقال : إذا كان الثوب نقيا فالبخور وماء الورد أنفع له . وإن كان دنسا فالصابون والماء أنفع له . ثم قال لي : فكيف والثياب لا تزال دنسة . انتهى . أيما أنفع للعبد التسبيح أو الاستغفار
قلت : والمسئول عن ذلك والمجيب هو الإمام الحافظ ابن الجوزي كما في طبقات الحافظ ابن رجب وغيره . وليس قصدنا الاستقصاء للمأثور ، وإنما قصدنا التنبيه وعدم الإخلال بالفائدة . والله الموفق .