الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3468 - وعنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو من يقتل مؤمنا متعمدا " . رواه أبو داود .

التالي السابق


3468 - ( وعنه ) : أي : عن أبي الدرداء ( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل ذنب عسى الله " ) : أي : يتوقع منه تعالى ( " أن يغفره إلا من مات مشركا " ) : أي : ذنبه . قال الأشرف : لا بد من إضمار مضاف إما في المستثنى أو في المستثنى منه ، أي : كل قارف ذنب أو إلا ذنب من مات مشركا اهـ . والثاني أولى فإن الحاجة إليه عنده كما لا يخفى . ( " أو من يقتل " ) : وفي رواية الجامع الصغير : أو قتل ( " مؤمنا متعمدا " ) : بأن قصد قتله لكونه مؤمنا أو أراد به تغليظا أو حتى يرضي خصمه ، أو إلا أن يغفر له لقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء قال المظهر : إذا كان مستحلا دمه . وقال الطيبي : قوله : إلا من مات مشركا من قوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقوله : ومن يقتل مؤمنا متعمدا من قوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها الآية . وقد ثبت عند المعتزلة أن حكم الشرك وما دونه من الكبائر سواء في أنهما لا يغفران قبل التوبة ويغفران بعدها ، وظاهر الحديث يساعد قولهم . الكشاف في قوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا .

فإن قلت : هل فيها دليل على خلود من لم يتب من أهل الكبائر ؟ قلت : ما أبين الدليل فيها ، وهو تناول قوله : ومن يقتل أي قاتل كان من مسلم أو كافر أو تائب أو غير تائب ، إلا أن التائب أخرجه الدليل ، فمن ادعى إخراج المسلم بغير التائب فليأت بدليل مثله . قلت : ما أبين الدليل في نظر غير العليل ، وهو قوله : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقد بينت هذه المسألة بيانا شافيا في الرسالة المعمولة المسماة : بالقول السديد في خلف [ ص: 2271 ] الوعيد . قال الطيبي رحمه الله : وقد أتى في فتوح بالغيب الدليل ، وهو أن الذي يقتضيه نظم الآيات أن الآية من أسلوب التغليظ كقوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت إلى قوله : ( ومن كفر ) وبيانه أن قوله تعالى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا دل على أن قتل المؤمن ليس من شأن المسلم ، ولا يستقيم منه ، ولا يصح له ذلك ، فإنه إن فعل خرج عن أن يقال : إنه مؤمن ; لأن كان هذا نحو كان في قوله تعالى : ما كان لله أن يتخذ من ولد والمعنى لم يصح ولم يستقم ، وقد نص على هذا في الكشاف ، ثم استثنى من هذا قتل الخطأ تأكيدا ومبالغة أي : لا يصح ولا يستقيم إلا في هذه الحالة ، وهذه الحالة منافية لقتل العمد ، فإذا لا يصح منه قتل العمد ألبتة ، ثم ذيل هذه المبالغة تغليظا وتشديدا بقوله : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما يعني كيف يستقيم القتل من المؤمن عمدا ، وأنه من شأن الكفار الذين جزاؤهم الخلود ، وحلول غضب الله ولعنته عليهم ، وعلى هذا الأسلوب فسر قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم إلى قوله : والكافرون هم الظالمون " فإنه جعل ترك الزكاة من صفات الكفار أي : الكافرون هم الذين يتركون الزكاة ، فعلى المؤمن أن لا يتصف بصفتهم ، وكتابه مشحون من هذا الأسلوب ، فعلى هذا الحديث كالآية في التغليظ . قلت : لا يخفى أن هذا التعليل ليس مثله في الدليل ، فالأخلص عن المعتزلة والخوارج قوله تعالى : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء أي : بلا توبة ، فإن الشرك أيضا يغفر معها ، والأحاديث المتواترة معنى من نحو قوله : " من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق " . فالحق أنه إن صدر عن المؤمن مثل هذا الذنب فمات ولم يتب ، فحكمه إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه ابتداء أو بواسطة شفاعة ، لما ورد في حديث صحيح ، رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، عن أنس : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " . وإن شاء عذبه بقدر ما شاء ثم يخرجه إلى الجنة " . قال الطيبي رحمه الله ، فإن قلت : لم خص إحدى القرينتين : يعني من مات بالماضي والأخرى بالمضارع ؟ قلت : تقرر عند علماء المعاني أن نحو : فلان يقري الضيف ويحمي الحريم ، يفيد الاستمرار وأن ذلك من شأنه ودأبه ، وقد سبق آنفا أن قتل العمد من شأن الكفار ودأبهم ، وليس من شأن المؤمنين ذلك ، فلذلك كان بالمضارع أجدر . ( رواه أبو داود ) : أي : عن أبي الدرداء .




الخدمات العلمية