الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 679 ] باب حنين الجزع شوقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفقا من فراقه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ورد من حديث جماعة من الصحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن وفرسان هذا الميدان ؛ قال القاضي عياض في كتابه " الشفا " : وهو حديث مشهور منتشر متواتر ، خرجه أهل الصحيح ، ورواه من الصحابة بضعة عشر ، منهم : أبي وجابر وأنس وابن عمر وابن عباس وسهل بن سعد وأبو سعيد وبريدة وأم سلمة والمطلب بن أبي وداعة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحديث الأول عن أبي بن كعب : قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله : حدثنا إبراهيم بن محمد قال : أخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا ، وكان يخطب إلى ذلك الجذع ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم [ ص: 680 ] الجمعة وتسمع الناس يوم الجمعة خطبتك ؟ قال : " نعم " فصنع له ثلاث درجات هن اللاتي على المنبر ، فلما صنع المنبر وضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم على ذلك المنبر فيخطب عليه ، فمر إليه ، فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى تصدع وانشق ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ، ثم رجع إلى المنبر ، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب ، فكان عنده في بيته حتى بلي وأكلته الأرضة وعاد رفاتا . وهكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل ، عن زكريا بن عدي ، عن عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل ، عن أبي بن كعب ، فذكره ، وعنده : فمسحه بيده حتى سكن ، ثم رجع إلى المنبر ، وكان إذا صلى صلى إليه . والباقي مثله ، وقد رواه ابن ماجه ، عن إسماعيل بن عبد الله الرقي ، عن عبيد الله بن عمرو الرقي به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحديث الثاني عن أنس بن مالك : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : ثنا أبو خيثمة ، ثنا عمر بن يونس الحنفي ، ثنا عكرمة بن عمار ، ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، حدثنا أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس ، فجاءه رومي فقال : ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم ؟ فصنع له منبرا له درجتان ويقعد على [ ص: 681 ] الثالثة ، فلما قعد نبي الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، خار الجذع كخوار الثور ارتج لخواره ؛ حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فالتزمه وهو يخور ، فلما التزمه سكت ، ثم قال : " والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا حتى يوم القيامة ؛ حزنا على رسول الله " . فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن . وقد رواه الترمذي ، عن محمود بن غيلان ، عن عمر بن يونس به ، وقال : صحيح غريب من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن أنس : قال الحافظ أبو بكر البزار في " مسنده " ثنا هدبة ، ثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وعمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . وحبيب بن الشهيد ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يخطب إلى جذع نخلة ، فلما اتخذ المنبر تحول إليه ، فحن فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احتضنه فسكن ، وقال : " لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة " . وهكذا رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن خلاد ، عن بهز بن أسد ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، وعن حماد ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس به . وهذا إسناد على شرط مسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 682 ] طريق أخرى عن أنس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، ثنا المبارك ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة ، فلما كثر الناس قال : " ابنوا لي منبرا " . أراد أن يسمعهم ، فبنوا له عتبتين ، فتحول من الخشبة إلى المنبر . قال : فأخبر أنس بن مالك أنه سمع الخشبة تحن حنين الواله . قال : فما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر ، فمشى إليها فاحتضنها فسكنت . تفرد به أحمد . وقد رواه أبو القاسم البغوي ، عن شيبان بن فروخ ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أنس ، فذكره ، وزاد : فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ، ثم قال : يا عباد الله ، الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إليه لمكانه من الله ، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه . وقد رواه الحافظ أبو نعيم من حديث الوليد بن مسلم ، عن سالم بن عبد الله الخياط ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، فذكره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن أنس :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو نعيم : ثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة ، ثنا يعلى بن عباد ، ثنا عبد الحكم ، عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع ، فحن الجذع ، فاحتضنه وقال : " لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحديث الثالث عن جابر بن عبد الله : قال الإمام أحمد : [ ص: 683 ] حدثنا وكيع ، ثنا عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة . قال : فقالت امرأة من الأنصار ، كان لها غلام نجار : يا رسول الله ، إن لي غلاما نجارا ، أفآمره أن يتخذ لك منبرا تخطب عليه ؟ قال : " بلى " قال : فاتخذ له منبرا . قال : فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر . قال : فأن الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن هذا بكى ؛ لما فقد من الذكر " . هكذا رواه أحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال البخاري : ثنا أبو نعيم ، ثنا عبد الواحد بن أيمن قال : سمعت أبي ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة ، فقالت امرأة من الأنصار ، أو رجل : يا رسول الله ، ألا نجعل لك منبرا ؟ قال : " إن شئتم " . فجعلوا له منبرا ، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر ، فصاحت النخلة صياح الصبي ، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تئن أنين الصبي الذي يسكن . قال : كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها . وقد ذكره البخاري في غير ما موضع من " صحيحه " من حديث عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، وهو أيمن الحبشي المكي مولى ابن أبي عمرة المخزومي ، عن جابر به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن جابر : قال البخاري : ثنا إسماعيل ، حدثني أخي ، عن [ ص: 684 ] سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، حدثني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك ، أنه سمع جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها ، فلما صنع له المنبر ، فكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار ، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت . تفرد به البخاري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عنه : قال الحافظ أبو بكر البزار ، ثنا محمد بن المثنى ، ثنا أبو المساور ، ثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، وهو ذكوان ، عن جابر بن عبد الله ، وعن أبي إسحاق ، عن كريب ، عن جابر قال : كانت خشبة في المسجد يخطب إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لو اتخذنا لك مثل الكرسي تقوم عليه ؟ ففعل فحنت الخشبة كما تحن الناقة الحلوج ، فأتاها فاحتضنها فوضع يده عليها فسكنت . قال أبو بكر البزار : وأحسب أنا كل قد حدثناه عن أبي عوانة ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن جابر وعن أبي إسحاق ، عن كريب ، عن جابر ، بهذه القصة التي رواها أبو المساور عن أبي عوانة ، وحدثناه محمد بن عثمان بن كرامة ، ثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كريب ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . والصواب إنما هو سعيد بن أبي كريب ، وكريب خطأ ، ولا يعلم يروي عن [ ص: 685 ] سعيد بن أبي كريب إلا أبو إسحاق . قلت : ولم يخرجوه من هذا الوجه وهو جيد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن جابر : قال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن آدم ، ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن أبي كرب ، عن جابر بن عبد الله قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة ، فلما جعل منبر حنت حنين الناقة ، فأتاها فوضع يده عليها فسكنت . تفرد به أحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن جابر : قال الحافظ أبو بكر البزار : ثنا محمد بن معمر ، ثنا محمد بن كثير ، ثنا سليمان بن كثير ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر بن عبد الله قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل له المنبر ، فلما جعل المنبر حن الجذع حتى سمعنا حنينه ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكن . قال البزار : لا نعلم رواه عن الزهري إلا سليمان بن كثير . قلت : وهذا إسناد جيد رجاله على شرط الصحيح ، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة . وقال الحافظ أبو نعيم في " الدلائل " ورواه عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري ، عن رجل سماه ، عن جابر . ثم أورده من طريق عاصم بن [ ص: 686 ] علي عن سليمان بن كثير ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر مثله . ثم قال : ثنا أبو بكر بن خلاد ، ثنا أحمد بن علي الخراز ، حدثنا عيسى بن المساور ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع ، فلما بني المنبر حن الجذع ، فاحتضنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكن ، وقال : " لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة " ثم رواه من حديث أبي عوانة ، عن الأعمش عن أبي صالح ، عن جابر وعن أبي إسحاق عن كريب عن جابر مثله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن جابر : قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، أنا ابن جريج وروح قال : حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من سواري المسجد ، فلما صنع له منبره واستوى عليه ، اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد ، حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكنت . وقال روح : فسكتت . وهذا إسناد على شرط مسلم ، ولم يخرجوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن جابر : قال الإمام أحمد : ثنا ابن أبي عدي ، عن سليمان ، عن أبي نضرة ، عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في أصل [ ص: 687 ] شجرة - أو قال : إلى جذع - ثم اتخذ منبرا . قال : فحن الجذع . قال جابر : حتى سمعه أهل المسجد حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحه فسكن ، فقال بعضهم : لو لم يأته لحن إلى يوم القيامة . وهذا على شرط مسلم ، ولم يروه إلا ابن ماجه ، عن بكر بن خلف ، عن ابن أبي عدي ، عن سليمان التيمي ، عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري ، عن جابر به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحديث الرابع عن سهل بن سعد : قال أبو بكر بن أبي شيبة : ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم قال : أتوا سهل بن سعد فقالوا : من أي شيء منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستند إلى جذع في المسجد يصلي إليه إذا خطب ، فلما اتخذ المنبر فصعد عليه حن الجذع حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوطده حتى سكن . وأصل هذا الحديث في " الصحيحين " ، [ ص: 688 ] وإسناده على شرطهما ، وقد رواه إسحاق بن راهويه وابن أبي فديك ، عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد ، عن أبيه ، عن جده . ورواه عبد الله بن نافع وابن وهب ، عن عبد الله بن عمر ، عن عباس بن سهل ، عن أبيه فذكره . ورواه ابن لهيعة ، عن عمارة بن غزية ، عن عباس بن سهل بن سعد ، عن أبيه ، بنحوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحديث الخامس عن عبد الله بن عباس : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، ثنا حماد ، عن عمار بن أبي عمار ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر ، فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حن عليه ، فأتاه فاحتضنه ، فسكن ، قال : " ولو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة " وهذا الإسناد على شرط مسلم ، ولم يروه إلا ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحديث السادس عن عبد الله بن عمر : قال البخاري : ثنا محمد بن المثنى ، حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان ، ثنا أبو حفص ، واسمه عمر بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء قال : سمعت نافعا ، عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع ، فلما اتخذ المنبر تحول إليه ، فحن الجذع [ ص: 689 ] فأتاه فمسح يده عليه . وقال عبد الحميد : أنا عثمان بن عمر ، أنا معاذ بن العلاء ، عن نافع ، بهذا . ورواه أبو عاصم ، عن ابن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . هكذا ذكره البخاري . وقد رواه الترمذي ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن عثمان بن عمر ويحيى بن كثير أبي غسان العنبري ، كلاهما عن معاذ بن العلاء به ، وقال : حسن صحيح غريب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في " أطرافه " : ورواه علي بن نصر بن علي الجهضمي وأحمد بن خالد الخلال وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، في آخرين ، عن عثمان بن عمر ، عن معاذ بن العلاء . قال : وعبد الحميد هذا - يعني الذي ذكره البخاري - يقال : إنه عبد بن حميد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال شيخنا : وقد قيل : إن قول البخاري : عن أبي حفص واسمه عمر بن العلاء وهم ، والصواب معاذ بن العلاء كما وقع في رواية الترمذي . قلت : وليس هذا ثابتا في جميع النسخ ، ولم أر في النسخة التي كتبت منها تسميته بالكلية . والله أعلم . وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو نعيم ، من حديث عبد الله بن رجاء ، عن عبيد الله بن عمر ، ومن حديث أبي عاصم ، عن ابن أبي [ ص: 690 ] رواد ، كلاهما عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال تميم الداري ألا نتخذ لك منبرا ؟ فذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن ابن عمر : قال الإمام أحمد بن حنبل : ثنا حسين ، ثنا خلف ، عن أبي جناب وهو يحيى بن أبي حية ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر قال : كان جذع نخلة في المسجد يسند رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره إليه إذا كان يوم جمعة أو حدث أمر يريد أن يكلم الناس . فقالوا : ألا نجعل لك يا رسول الله شيئا كقدر قيامك ؟ قال : " لا عليكم أن تفعلوا " . فصنعوا له منبرا ثلاث مراق . قال : فجلس عليه . قال : فخار الجذع كما تخور البقرة ؛ جزعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالتزمه ومسحه حتى سكن . تفرد به أحمد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحديث السابع عن أبي سعيد الخدري : قال عبد بن حميد الكشي : ثنا علي بن عاصم ، عن الحريري ، عن أبي نضرة العبدي ، حدثني أبو سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة ، فقال له الناس : يا رسول الله ، إنه قد كثر الناس - يعني المسلمين - وإنهم ليحبون أن يروك ، فلو اتخذت منبرا تقوم عليه ليراك الناس ؟ قال : " نعم ، من يجعل لنا هذا المنبر ؟ " فقام إليه رجل ، فقال : " تجعله ؟ " قال : نعم ، ولم يقل : إن شاء الله . قال : [ ص: 691 ] " ما اسمك ؟ " قال : فلان . قال : " اقعد " فقعد . ثم عاد فقال : " من يجعل لنا هذا المنبر ؟ " فقام إليه رجل فقال : أنا . قال : " تجعله ؟ " قال : نعم . ولم يقل : إن شاء الله . قال : " ما اسمك " قال : فلان . قال : " اقعد " فقعد . ثم عاد فقال : " من يجعل لنا هذا المنبر ؟ " فقام إليه رجل فقال : أنا . قال : " تجعله ؟ " قال : نعم . ولم يقل : إن شاء الله . قال : " ما اسمك ؟ " قال : فلان . قال : " اقعد " فقعد . ثم عاد فقال " " من يجعل لنا هذا المنبر ؟ " فقام إليه رجل ، فقال : أنا . قال : " تجعله ؟ " قال : نعم إن شاء الله . قال : ما اسمك ؟ قال : إبراهيم . قال : " اجعله " . فلما كان يوم الجمعة اجتمع الناس للنبي صلى الله عليه وسلم في آخر المسجد ، فلما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستوى عليه استقبل الناس وحنت النخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد . قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن المنبر فاعتنقها ، فلم يزل حتى سكنت ، ثم عاد إلى المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " إن هذه النخلة إنما حنت شوقا إلى رسول الله لما فارقها ، فوالله لو لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة " وهذا إسناد جيد على شرط مسلم ، ولكن في السياق غرابة . والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      طريق أخرى عن أبي سعيد : قال الحافظ أبو يعلى : ثنا مسروق بن المرزبان ، ثنا يحيى بن زكريا ، عن مجالد ، عن أبي الوداك - وهو جبر بن نوف - عن أبي سعيد قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى خشبة يتوكأ عليها يخطب [ ص: 692 ] كل جمعة ، حتى أتاه رجل من الروم فقال : إن شئت جعلت لك شيئا ، إذا قعدت عليه كنت كأنك قائم . قال : " نعم " . قال : فجعل له المنبر ، فلما جلس عليه حنت الخشبة حنين الناقة على ولدها ، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها ، فلما كان الغد رأيتها قد حولت ، فقلنا : ما هذا ؟ قالوا : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر البارحة فحولوها . وهذا غريب أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحديث الثامن عن عائشة رضي الله عنها : رواه الحافظ البيهقي من حديث علي بن أحمد الجواربي ، عن قبيصة ، عن حبان بن علي ، عن صالح بن حيان ، عن عبد الله بن بريدة ، عن عائشة ، فذكر الحديث بطوله ، وفيه أنه خيره بين الدنيا والآخرة ، فاختار الجذع الآخرة ، وغار حتى ذهب فلم يعرف . هذا حديث غريب إسنادا ومتنا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحديث التاسع عن أم سلمة رضي الله عنها : روى أبو نعيم من طريق شريك القاضي وعمرو بن أبي قيس ومعلى بن هلال ، ثلاثتهم عن عمار الدهني ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة قالت : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خشبة يستند إليها إذا خطب ، فصنع له كرسي أو منبر ، فلما فقدته خارت [ ص: 693 ] كما يخور الثور ، حتى سمعها أهل المسجد ، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكنت . هذا لفظ شريك وفي رواية معلى بن هلال ، أنها كانت من درم . وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه ، وقد روى الإمام أحمد والنسائي من حديث عمار الدهني ، عن أبي سلمة ، عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قوائم منبري رواتب في الجنة " وروى النسائي أيضا بهذا الإسناد : ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فهذه الطرق من هذه الوجوه تفيد القطع بوقوع ذلك عند أئمة هذا الفن ، وكذا من تأملها ، وأمعن فيها النظر والتأمل مع معرفته بأحوال الرجال ، وبالله المستعان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي قال : قال أبي - يعني أبا حاتم الرازي - قال عمرو بن سواد : قال لي الشافعي : ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم . فقلت : أعطى عيسى إحياء الموتى . فقال : أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هيئ له المنبر ، فلما هيئ له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته . فهذا أكبر من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية