
منذ اليوم الأول الذي أعلن فيه الاحتلال حرب الإبادة على غزة كانت الأهداف واضحة ومعلنة، وكان على رأسها:
استعادة الأسرى، والقضاء على المقاومة، وتهجير أكبر عدد ممكن من أهل غزة، وفرض السيطرة على القطاع بحيث تكون كلمة الاحتلال هي العليا.
وبعد مرور أكثر من عام وعدة أشهر على الحرب التي اتبع فيها الاحتلال سياسة الأرض المحروقة، لم يفلح الاحتلال رغم حرب الإبادة في تحقيق الأهداف الكبرى التي من أجلها بدأ عدوانه على غزة، فلم يستعد أسيرا واحدا حيا، وإلى أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ كانت المقاومة توجه للمحتل الضربات رغم الضرر الكبير الذي لحق بها، ولم يترك أهل غزة بلدهم ولم يخرجوا منه، بل أعلنوا أنهم صامدون وثابتون مهما عظمت التضحيات.
ولقد أكدت الأيام والأحداث أن الشعوب الحرة لا تتنازل عن حقوقها في مواجهة الظلم والاحتلال، مستندة إلى إيمانها الراسخ، وإرادتها الصلبة، وعزيمتها القوية. وعبر التاريخ، أثبتت الشعوب أن فترات الاستبداد والاحتلال ليست سوى محطات مؤقتة، حيث تكون الحرية ثمرة للتضحيات والصمود.
ولقد قدم الشعب الفلسطيني نموذجًا يُحتذى به في الصمود والمقاومة أمام قوة عسكرية هائلة، متحديًا أعتى الأنظمة الأمنية والاستخباراتية.
وعلى الرغم من الحصار الخانق الذي يعاني منه قطاع غزة منذ سنوات طويلة، ورغم الحرب التي يشترك فيها بشكل مباشر أو غير مباشر الكثير من الدول، فإن الفلسطينيين أثبتوا أن إرادتهم أقوى من الحصار ومن كل هذه الدول مجتمعة، وقدموا للعالم دروسًا في التضحية والشجاعة، ما أحرج العدو وأفقده صوابه وهيبته. لقد أثبتت المقاومة أنها قادرة على إدارة معاركها بكفاءة واحترافية ونفس طويل، ملتزمة في الوقت نفسه بالقيم الشرعية والإنسانية والأخلاقية في التعامل مع الأسرى والمدنيين.
تحمل عملية "طوفان الأقصى" دلالات عميقة تتجاوز كونها مجرد مواجهة عسكرية، فهي تؤكد أن القضية الفلسطينية لا تزال حاضرة بقوة، وأن رغبة الشعب الفلسطيني في التحرر راسخة في أعماقه. فقد قدم الفلسطينيون تضحيات عظيمة منذ نكبة 1948 وحتى اليوم، مما يثبت استمرار كفاحهم رغم العقبات، مستلهمين تجارب شعوب أخرى مثل الجزائر وفيتنام في نضالها ضد الاحتلال.
ولقد أصبحت غزة اليوم رمزًا للعزة والكرامة، حيث تتجلى المقاومة في أكثر من مجرد المواجهة العسكرية، لتشمل الصمود في وجه الحصار والتحديات الاقتصادية والاجتماعية. ويدرك الفلسطينيون أن طريقهم مليء بالعقبات، وأن طريق التحرير ليس مفروشا بالورود، بل مليء بالتضحيات والدماء، وفاتورته غالية جدا تتمثل في مزيد من الشهداء والجرحى، ودمار في البنى التحتية، وعجز في الخدمات وتوقف في الإمدادات الضرورية وغيرها، لكنهم موقنون بأن النصر آتٍ لا محالة.
مع استمرار الاحتلال في ارتكاب جرائمه بحق المدنيين من أطفال ونساء، يزداد تمسك الفلسطينيين بحقوقهم، ويدركون أن المقاومة ليست خيارًا، بل مسؤولية وطنية وأخلاقية. وفي ظل هذه الظروف، تتعاظم الحاجة إلى تعزيز وحدة الصف الفلسطيني، ووحدة الأمة العربية والإسلامية لنصرة هذه القضية ودعمها بكل ما هو ممكن، وتكثيف الجهود السياسية والإعلامية لإيصال صوت القضية إلى العالم أجمع.
إن غزة اليوم ليست مجرد مدينة تعاني الحصار، بل إنها رمز للصمود في وجه الظلم، ومصدر إلهام للأجيال القادمة في دروس التضحية والحرية. وكما نجحت شعوب أخرى في دحر الاستعمار وتحقيق الاستقلال، فإن الفلسطينيين يواصلون نضالهم ومقاومتهم بإصرار وثقة بأن الاحتلال زائل، وأن النصر سيكون حليفًا للمقاومة الصامدة ومن خلفها هذا الشعب العظيم الذي لا يقهر ولا يلين ولا تنكسر إرادته رغم التضحيات الجسام.