الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ ص: 15 ] بسم الله الرحمن الرحيم

رب زدني علما وفهما ، واختم لي وللمسلمين بخير .

قال سيدنا وشيخنا ، الإمام العالم العامل العلامة ، البحر الحبر الفهامة ، المحقق المدقق ، ناصر السنة حافظ عصره ، ووحيد دهره ، شمس الدين سلطان الحفاظ والمحدثين ، أبو الخير محمد السخاوي الشافعي : [ خطبة المؤلف ] الحمد لله الذي جعل العلم بفنون الخبر مع العمل المعتبر بها إليه أتم وسيلة ، ووصل من أسند في بابه وانقطع إليه فأدرجه في سلسلة المقربين لديه ، وأوضح له المشكل الغريب وتعليله .

وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد ، أنزل على عبده أحسن الحديث وعلمه تأويله .

وأشهد أن سيدنا محمد المرسل بالآيات الباهرة ، والمعجزات المتواترة ، والمخصوص بكل شرف وفضيلة ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأنصاره وحزبه ، الذين صار الدين بهم عزيزا ، بعد فشو كل شاذ ومنكر ورذيلة ، ورضي الله عن أتباعهم المعول على إجماعهم ممن اقتفى أثره وسلك سبيله ، صلاة وسلاما دائمين غير مضطربين ينال بهما العبد في الدارين تأميله .

[ مقدمة المؤلف ] وبعد : فهذا تنقيح لطيف ، وتلقيح للفهم المنيف ، شرحت فيه ألفية الحديث ، وأوضحت به ما اشتملت عليه من القديم والحديث ، ففتح من كنوزها المحصنة الأقفال كل مرتج ، وطرح عن رموزها الإشكال بأبين الحجج ، سابكا لها فيه ; بحيث لا تتخلص منه إلا بالتمييز ; لأنه أبلغ في إظهاره المعنى .

تاركا لمن لا يرى حسن ذلك في خصوص النظم والترجيز ; لكونه إن لم يكن متعنتا لم يذق الذي هو أهنى ، مراعيا فيه الاعتناء بالناظم رجاء بركته ، ساعيا في إفادة ما لا غنى عنه لأئمة الشأن وطلبته ، غير طويل ممل ، ولا قصير مخل ، استغناء عن [ ص: 16 ] تطويله بتصنيفي المبسوط المقرر المضبوط ، الذي جعلته كالنكت عليها وعلى شرحها للمؤلف .

وعلما بنقص همم أماثل الوقت فضلا عن المتعرف ، إجابة لمن سألني فيه من الأئمة ذوي الوجاهة والتوجيه ، ممن خاض معي في الشرح وأصله ، وارتاض فكره بما يرتقي به عن أقرانه وأهله .

نفعني الله وإياه والمسلمين بذلك ، ويسر لنا إلى كل خير أقرب المسالك بمنه وكرمه .

قال رحمه الله :

1 - يقول راجي ربه المقتدر عبد الرحيم بن الحسين الأثري      2 - من بعد حمد الله ذي الآلاء
على امتنان جل عن إحصاء      3 - ثم صلاة وسلام دائم
على نبي الخير ذي المراحم      4 - فهذه المقاصد المهمه
توضح من علم الحديث رسمه      5 - نظمتها تبصرة للمبتدي
تذكرة للمنتهي والمسند      6 - لخصت فيها ابن الصلاح أجمعه
وزدتها علما تراه موضعه      7 - فحيث جاء الفعل والضمير
لواحد ومن له مستور      8 - كـ " قال " أو أطلقت لفظ " الشيخ " ما
أريد إلا ابن الصلاح مبهما      9 - وإن يكن لاثنين نحو " التزما " فمسلم
مع البخاري هما      10 - والله أرجو في أموري كلها
معتصما في صعبها وسهلها .



( يقول ) من القول ، وهو لفظ دال على معنى مفيد كما هنا ، أو غير مفيد ، ( راجي ) اسم فاعل من " الرجاء " ضد الخوف ; وهو توقع ممكن يقتضي حصول ما فيه مسرة ، ( ربه ) أي : مالكه الإله الذي لا تطلق الربوبية على سواه .

( المقتدر ) على ما أراد ، وهو من صفات الجلال والعظمة ، ولذا كان أبلغ في قوة الرجاء ; إذ [ ص: 17 ] وجوده من استحضار صفات الجلال أدل على وجوده مع استحضار صفات الجمال لا سيما ، وبذلك يكون من باب قوله تعالى : ويرجون رحمته ويخافون عذابه [ الإسراء : 57 ] .

[ ترجمة صاحب الألفية ]

( عبد الرحيم ) بيان الراجي ، فاعل ( يقول ) ، أو بدل منه ، ( ابن الحسين ) ابن عبد الرحمن ، الزين أبو الفضل ( الأثري ) بفتح الهمزة والمثلثة ، نسبة إلى ( الأثر ) ، وهو لغة : البقية .

واصطلاحا : الأحاديث مرفوعة كانت أو موقوفة ، على المعتمد ، ومنه : " شرح معاني الآثار " ; لاشتماله عليهما ، وإن قصره بعض الفقهاء على الموقوف ، كما سيأتي في بابه ، وانتسب كذلك جماعة ، وحسن الانتساب إليه ممن يصنف في فنونه .

ويعرف أيضا بـ " العراقي " لكون جده كان يكتبها بخطه ، انتسابا لعراق العرب ، وهو القطر الأعم كما قاله ابنه .

كان إماما ، علامة ، مقرئا ، فقيها ، شافعي المذهب ، أصوليا ، منقطع القرين في فنون الحديث وصناعته ، ارتحل فيه إلى البلاد النائية ، وشهد له بالتفرد فيه أئمة عصره ، وعولوا عليه فيه ، وسارت تصانيفه فيه وفي غيره ، ودرس ، وأفتى ، وحدث ، وأملى ، وولي قضاء المدينة الشريفة نحو ثلاث سنين .

وانتفع به الأجلاء ، مع الزهد والورع ، والتحري في الطهارة وغيرها ، وسلامة الفطرة ، والمحافظة على أنواع العبادة ، والتقنع باليسير ، وسلوك التواضع والكرم والوقار ، مع الأبهة والمحاسن الجمة .

وقد أفرد ابنه ترجمته بالتأليف ، فلا نطيل فيها ، وهو [ ص: 18 ] في مجموعه كلمة إجماع ، وقد أخذت عن خلق من أصحابه .

وأما ألفيته وشرحها فتلقيتهما مع جل أصلهما دراية عن شيخنا إمام الأئمة وأجل جماعته ، والألفية فقط عن جماعة .

مات في شعبان سنة ست وثمانمائة ( 806 هـ ) عن أزيد من إحدى وثمانين سنة ، رحمه الله وإيانا .

التالي السابق


الخدمات العلمية