قال في الآداب الكبرى : ويجب كف يده وفمه وفرجه وبقية أعضائه عما يحرم ويسن عما يكره . قال الإمام ابن الجوزي : هذا فيمن لم يضطر إلى ذلك وإلا جاز . قال رضي الله عنه : إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم . قال ومتى قدر أن لا يظهر موافقتهم لم يجز له ذلك . أبو الدرداء
قال ابن الجوزي : وقول هذا ليس فيه موافقة على محرم ولا فيه كلام ، وإنما فيه طلاقة الوجه خاصة للمصلحة ، وهو معنى ما في الصحيحين وغيرهما عن أبي الدرداء رضي الله عنها { عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه الناس أو تركه الناس اتقاء فحشه عائشة } . قال في شرح أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس رجل العشيرة ، فلما دخل ألان له القول . قلت يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له القول ، ؟ قال يا : فيه مسلم ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في وجهه ولا في قفاه إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام . مداراة من يتقي فحشه
وقيل للإمام العلامة كما في الفنون : اسمع وصية الله عز وجل يقول { ابن عقيل ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا فكيف لي بطاعة الله [ ص: 209 ] تعالى والتخلص من النفاق ؟ فقال النفاق هو إظهار الجميل وإبطان القبيح وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر ، والذي تضمنته الآية إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن .
قال في الآداب : فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الحسن لإيقاع الشر المضمر ، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر فليس بمنافق لكنه يستصلح ، ألا تسمع إلى قوله تعالى { فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم } فهذا اكتساب استمالة ودفع عداوة وإطفاء لنيران الحقائد ، واستنماء الود وإصلاح العقائد . فهذا طلب المودات واكتساب الرجال .
وأخرج أبو داود عن مرفوعا { أبي الدرداء } ، ورواه الإمام حبك للشيء يعمي ويصم . أحمد
وأخرج الترمذي عن رفعه { أبي هريرة } قال في الآداب : إسناده ضعيف . وقد روي عن أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا والصحيح وقفه . علي
وأنشد بعضهم :
وأبغض بغيضك بغضا رويدا إذا أنت حاولت أن تحكما وأحبب حبيبك حبا رويدا
فليس يغولك أن تصرما
وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا فإنك لا تدري متى أنت نازع
وأبغض إذا أبغضت بغضا مقاربا فإنك لا تدري متى أنت راجع
وأخرج وغيره عن الطبراني مرفوعا { أبي هريرة } . وعن أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس رضي الله عنهما مرفوعا { ابن عمر } . [ ص: 210 ] وفي الآداب الكبرى عن الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة ، والتودد إلى الناس نصف العقل ، وحسن السؤال نصف العلم رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { جابر بن عبد الله } إسناده فيه لين والأولين ضعيف مداراة الناس صدقة
. وقال رحمه الله تعالى : أبو سليمان الخطابي
ما دمت حيا فدار الناس كلهمو فإنما أنت في دار المداراة
من يدر دارى ومن لم يدر سوف يرى عما قليل نديما للندامات
وقال آخر :
أداريهمو ما دمت حيا بدارهم وأرضيهمو ما دمت في أرضهم أسعى
وأطلب بالإخلاص لله منهمو خلاصا فكانوا كيف قلبتهم أفعى
دار جار الدار إن جار وإن لم تجد صبرا فما أحلى النقل
إن ترم من أحجارهم مطلبا بثأرهم
يا ثاويا في معشر وأنت في أحجارهم
أو تكو من شرارهم على يدي شرارهم
فما بقيت جارهم ففي هواهم جارهم
وأرضهم في أرضهم ودارهم في دارهم
إن تلقك الغربة في معشر قد جبل الطبع على بغضهم
فدارهم ما دمت في دارهم وأرضهم ما دمت في أرضهم