nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28979_30768_30772إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى العدوة مثلثة العين لغة جانب الوادي ، وهي من العدو [ كالغزو ] الذي معناه التجاوز ، وقد قرأها الجمهور بضم العين ، وقرأها
ابن كثير ويعقوب وأبو عمرو بكسرها ، ومن غير السبع قراءة
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي وغيرهما بفتحها ، والدنيا مؤنث الأدنى وهو الأقرب ، والقصوى مؤنث الأقصى وهو الأبعد ، والمعنى : إن كنتم آمنتم بالله ، وما أنزلنا على عبدنا في ذلك اليوم ، في الوقت الذي كنتم فيه مرابطين بأقرب الجانبين من الوادي إلى
المدينة وفيه الماء ، ونزل المطر فيه دون غيره كما تقدم مع بيان فوائده ، والأعداء في الجانب الأبعد عنها ، ولا ماء فيه ، وأرضه رخوة تسوخ فيها الأقدام
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42والركب أسفل منكم المراد بالركب العير التي خرج المسلمون للقائها ، إذ كان
أبو سفيان قادما بها من
الشام أو أصحابها ، وهو اسم جمع راكب ، أي والحال أن الركب في مكان أسفل من مكانكم ، وهو ساحل البحر كما تقدم ، وقد ذكر هذا ؛ لأنه هو السبب لالتقاء الجمعين في ذلك المكان ، ولو علم المسلمون أن
أبا سفيان أخذ العير في ناحية البحر لتبعوها وما التقوا هناك بالكفار ، ولا تعين عليهم القتال كما تقدم بيانه ، ولذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد أي : ولو تواعدتم أنتم وهم التلاقي للقتال هنالك لاختلفتم في الميعاد ، لكراهتكم للحرب على قتلكم ، وعدم إعدادكم شيئا من العدة لها ، وانحصار هممكم في أخذ العير ، ولأن غرض الأكثرين منهم كان إنقاذ العير دون القتال أيضا ؛ لأنهم كانوا يهابون قتال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يأمنوا نصر الله له ؛ لأن كفر أكثرهم به كان عنادا واستكبارا لا اعتقادا ، وقد تقدم في تفسير أوائل السورة بيان حال الفريقين المقتضي لاختلاف الميعاد لو حصل ، ولإرادة الله هذا التلاقي وتقدير أسبابه ، وهو المراد بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28979_30455_30452ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا أي : ولكن تلاقيتم هنالك على غير موعد ، ولا رغبة في القتال ، ليقضي الله أمرا كان ثابتا في علمه وحكمته أنه واقع مفعول لا بد منه ، وهو القتال المفضي إلى خزيهم ونصركم عليهم ، وإظهار دينه وصدق وعده لرسوله كما تقدم .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة أي : فعل ذلك ، ليترتب على قضاء هذا الأمر أن يهلك من هلك من الكفار عن حجة بينة مشاهدة بالبصر على حقية الإسلام ، بإنجاز وعده تعالى للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه ، بحيث تنفي الشبهة ، وتقطع لسان الاعتذار عند الله عند إجابة الدعوة ، ويحيا من حي من المؤمنين عن بينة قطعية حسية ، كذلك فيزدادوا يقينا بالإيمان ، ونشاطا في الأعمال ، قرأ
ابن كثير ونافع وأبو بكر ويعقوب حيي ( كتعب )
[ ص: 18 ] بفك الإدغام والباقون بإدغام الياء الأولى في الثانية ، وكل من الهلاك والحياة هنا يشمل الحسي والمعنوي منهما . وقد عرف معناه مفصلا في تفسير :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ( 8 : 24 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42وإن الله لسميع عليم لا يخفى عليه شيء من أقوال أهل الإيمان والكفر ، ولا من عقائدهم وأفعالهم ، فهو يسمع ما يقول كل فريق من الأقوال الصادرة عن عقيدته ، والأعذار التي يعتذر بها عن تقصيره في أعماله ، عليم بما يخفيه ويكنه من ذلك وغيره ، فيجازي كلا بحسب ما يعلم ، وما يسمع منه - وجملة القول : أن هذا الفرقان الذي رتبه الله على غزوة
بدر قامت به حجة الله البالغة للمؤمنين بنصرهم كما بشرهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي حجته البالغة على الكافرين بخذلانهم ، وانكسارهم كما أنذرهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ لا مجال للمكابرة فيها ولا للتأويل .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=28979_30763إذ يريكهم الله في منامك قليلا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إذ يريكهم هنا كقوله قبله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42إذ أنتم بالعدوة الدنيا كلاهما بدل من يوم الفرقان . والمعنى أن الله تعالى أرى رسوله في ذلك اليوم أو الوقت رؤيا منامية مثل له فيها عدد المشركين قليلا ، فأخبر بها المؤمنين فاطمأنت قلوبهم ، وقويت آمالهم بالنصر عليهم كما قال
مجاهد ، ومن الغريب ألا ترى في دواوين الحديث المشهورة حديثا مسندا في هذه الرؤيا
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43ولو أراكهم كثيرا لفشلتم أي : أحجمتم ونكلتم عن لقائهم بشعور الجبن والضعف
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43ولتنازعتم في الأمر أي : ولوقع بينكم النزاع ، وتفرق الآراء في أمر القتال ، فمنكم القوي الإيمان والعزيمة يقول : نطيع الله ورسوله ونقاتل ، ومنكم الضعيف الذي يثبط عن القتال بمثل الأعذار التي جادلوا بها الرسول كما تقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يجادلونك في الحق بعدما تبين ( 8 : 6 ) الآية .
فإن قلت : كيف يصح مع هذا أن تكون رؤيا الأنبياء حق ، وأنها ضرب من الوحي ؟ ( قلت ) : قد تقدم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدر عدد المشركين بألف ، وأخبر أصحابه بذلك مع أن عددهم 313 ، ولكنه أخبرهم مع هذا أنه رآهم في منامه قليلا لا أنهم قليل في الواقع ، فالظاهر أنهم أولوا الرؤيا بأن بلاءهم يكون قليلا ، وأن كيدهم يكون ضعيفا ، فتجرءوا وقويت قلوبهم
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43ولكن الله سلم أي : سلمكم من الفشل والتنازع وتفرق الكلمة وعواقب ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إنه عليم بذات الصدور أي : عليم بما في القلوب التي في الصدور من شعور الجبن والجزع الذي تضيق به فتنكل عن الإقدام على القتال ، ومن شعور الإيمان والتوكل الذي يبعث فيها طمأنينة الشجاعة ، والصبر فيحملها على الإقدام ، فيسخر لكل منها الأسباب التي تفضي إلى ما يريده منها .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=44وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا [ ص: 19 ] قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=44وإذ يريكموهم معطوف على قوله قبله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إذ يريكهم الله لأنه سبب في معناه فجمع معه واتصل به - بخلاف " إذ " - في الآيتين قبلها ، فلذلك جاءت كل منهما مفصولة غير معطوفة . والخطاب هنا للمؤمنين كافة ، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ معهم . فالمعنى : وفي ذلك الوقت الذي يريكم الله الكفار - عند التلاقي معهم - قليلا بما أودع في قلوبكم من الإيمان بوعد الله بنصره لكم ، وبتثبيتكم بملائكته ، ومن احتقارهم والاستهانة بهم ، ويقللكم في أعينهم لقلتكم بالفعل ، ولما كان عندهم من الغرور والعجب . حتى قال
أبو جهل : إنما أصحاب
محمد أكلة جزور . كأنه يقول : نتغداهم ونتعشاهم في يوم واحد ، وكانوا يأكلون في كل يوم جزورا . ومعنى التعليل ليقدم كل منكم على قتال الآخر : هذا واثقا بنفسه ، مدلا ببأسه . وهذا متكلا على ربه ، واثقا بوعده ، حتى إذا ما التقيتم ثبتكم وثبطهم ، فيقضي بإظهاركم عليهم أمرا كان في علمه مفعولا ، فهيأ له أسبابه ، وقدرها تقديرا ، ولا حاجة إلى جعل هذا الأمر المفعول غير الذي ذكر قبله وإن سهل ذلك بغير تكلف باعتبار مبدأ الأمر وغايته ، وحسن تأثيره وثمرته ، وقد كان في الفريقين عظيما ، فإن تكرار ما تقتضي الحال تكراره أصل من أصول البلاغة ، ومقصد من أهم مقاصدها ، خلافا لما زعم متنطعو المحسنات اللفظية
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=44وإلى الله ترجع الأمور فلا ينفذ شيء في العالم إلا ما قضاه الله تعالى وقدر أسبابه ، وإنما القضاء والقدر قائمان بسننه تعالى في الأسباب والمسببات ، فهو لو شاء لخلق في القلوب والأذهان ما أراده بتأثير منام الرسول ، وبتقليل كل من الجمعين في أعين الآخر من غير أن يرتبهما على هذين السببين ، ولكنه ناط كل شيء بسبب ، وخلق كل شيء بقدر ، حتى إن بعض آياته لرسله وتوفيقه لمن شاء من عباده يكونان بتسخير الأسباب لهم ، وموافقة اجتهادهم وكسبهم لسننه تعالى في الفوز والفلاح ، كما أن بعض الآيات يكون بأسباب غيبية كتأييد الملائكة وتثبيبهم أو بغير سبب .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28979_30768_30772إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى الْعُدْوَةُ مُثَلَّثَةُ الْعَيْنِ لُغَةً جَانِبُ الْوَادِي ، وَهِيَ مِنَ الْعَدْوِ [ كَالْغَزْوِ ] الَّذِي مَعْنَاهُ التَّجَاوُزُ ، وَقَدْ قَرَأَهَا الْجُمْهُورُ بِضَمِّ الْعَيْنِ ، وَقَرَأَهَا
ابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ وَأَبُو عَمْرٍو بِكَسْرِهَا ، وَمِنْ غَيْرِ السَّبْعِ قِرَاءَةُ
الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا بِفَتْحِهَا ، وَالدُّنْيَا مُؤَنَّثُ الْأَدْنَى وَهُوَ الْأَقْرَبُ ، وَالْقُصْوَى مُؤَنَّثُ الْأَقْصَى وَهُوَ الْأَبْعَدُ ، وَالْمَعْنَى : إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ ، وَمَا أَنْزَلَنَا عَلَى عَبْدِنَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ مُرَابِطِينَ بِأَقْرَبِ الْجَانِبَيْنِ مِنَ الْوَادِي إِلَى
الْمَدِينَةِ وَفِيهِ الْمَاءُ ، وَنَزَلَ الْمَطَرُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مَعَ بَيَانِ فَوَائِدِهِ ، وَالْأَعْدَاءُ فِي الْجَانِبِ الْأَبْعَدِ عَنْهَا ، وَلَا مَاءَ فِيهِ ، وَأَرْضُهُ رَخْوَةٌ تَسُوخُ فِيهَا الْأَقْدَامُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ الْمُرَادُ بِالرَّكْبِ الْعِيرُ الَّتِي خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ لِلِقَائِهَا ، إِذْ كَانَ
أَبُو سُفْيَانَ قَادِمًا بِهَا مِنَ
الشَّامِ أَوْ أَصْحَابُهَا ، وَهُوَ اسْمُ جَمْعِ رَاكِبٍ ، أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الرَّكْبَ فِي مَكَانٍ أَسْفَلَ مِنْ مَكَانِكُمْ ، وَهُوَ سَاحِلُ الْبَحْرِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ لِالْتِقَاءِ الْجَمْعَيْنِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ ، وَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ
أَبَا سُفْيَانَ أَخَذَ الْعِيرَ فِي نَاحِيَةِ الْبَحْرِ لَتَبِعُوهَا وَمَا الْتَقَوْا هُنَاكَ بِالْكُفَّارِ ، وَلَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ أَيْ : وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ أَنْتُمْ وَهُمُ التَّلَاقِيَ لِلْقِتَالِ هُنَالِكَ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ، لِكَرَاهَتِكُمْ لِلْحَرْبِ عَلَى قَتْلِكُمْ ، وَعَدَمِ إِعْدَادِكُمْ شَيْئًا مِنَ الْعُدَّةِ لَهَا ، وَانْحِصَارِ هِمَمِكُمْ فِي أَخْذِ الْعِيرِ ، وَلِأَنَّ غَرَضَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ كَانَ إِنْقَاذَ الْعِيرِ دُونَ الْقِتَالِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَهَابُونَ قِتَالَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَا يَأْمَنُوا نَصْرَ اللَّهِ لَهُ ؛ لِأَنَّ كُفْرَ أَكْثَرِهِمْ بِهِ كَانَ عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا لَا اعْتِقَادًا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ أَوَائِلِ السُّورَةِ بَيَانُ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ الْمُقْتَضِي لِاخْتِلَافِ الْمِيعَادِ لَوْ حَصَلَ ، وَلِإِرَادَةِ اللَّهِ هَذَا التَّلَاقِيَ وَتَقْدِيرِ أَسْبَابِهِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42nindex.php?page=treesubj&link=28979_30455_30452وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا أَيْ : وَلَكِنْ تَلَاقَيْتُمْ هُنَالِكَ عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ ، وَلَا رَغْبَةٍ فِي الْقِتَالِ ، لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ ثَابِتًا فِي عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ أَنَّهُ وَاقِعٌ مَفْعُولٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَهُوَ الْقِتَالُ الْمُفْضِي إِلَى خِزْيِهِمْ وَنَصْرِكُمْ عَلَيْهِمْ ، وَإِظْهَارِ دِينِهِ وَصِدْقِ وَعْدِهِ لِرَسُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ أَيْ : فَعَلَ ذَلِكَ ، لِيَتَرَتَّبَ عَلَى قَضَاءِ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْكُفَّارِ عَنْ حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ مُشَاهَدَةٍ بِالْبَصَرِ عَلَى حَقِّيَّةِ الْإِسْلَامِ ، بِإِنْجَازِ وَعْدِهِ تَعَالَى لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمِنْ مَعَهُ ، بِحَيْثُ تَنْفِي الشُّبْهَةَ ، وَتَقْطَعُ لِسَانَ الِاعْتِذَارِ عِنْدَ اللَّهِ عِنْدَ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ ، وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَيِّنَةٍ قَطْعِيَّةٍ حِسِّيَّةٍ ، كَذَلِكَ فَيَزْدَادُوا يَقِينًا بِالْإِيمَانِ ، وَنَشَاطًا فِي الْأَعْمَالِ ، قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ حَيِيَ ( كَتَعِبَ )
[ ص: 18 ] بِفَكِّ الْإِدْغَامِ وَالْبَاقُونَ بِإِدْغَامِ الْيَاءِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ ، وَكُلٌّ مِنَ الْهَلَاكِ وَالْحَيَاةِ هُنَا يَشْمَلُ الْحِسِّيَّ وَالْمَعْنَوِيَّ مِنْهُمَا . وَقَدْ عُرِفَ مَعْنَاهُ مُفَصَّلًا فِي تَفْسِيرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ( 8 : 24 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ ، وَلَا مِنْ عَقَائِدِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ ، فَهُوَ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ كُلُّ فَرِيقٍ مِنَ الْأَقْوَالِ الصَّادِرَةِ عَنْ عَقِيدَتِهِ ، وَالْأَعْذَارِ الَّتِي يَعْتَذِرُ بِهَا عَنْ تَقْصِيرِهِ فِي أَعْمَالِهِ ، عَلِيمٌ بِمَا يُخْفِيهِ وَيُكِنُّهُ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ ، فَيُجَازِي كُلًّا بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُ ، وَمَا يَسْمَعُ مِنْهُ - وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ : أَنَّ هَذَا الْفُرْقَانَ الَّذِي رَتَّبَهُ اللَّهُ عَلَى غَزْوَةِ
بَدْرٍ قَامَتْ بِهِ حُجَّةُ اللَّهِ الْبَالِغَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِهِمْ كَمَا بَشَّرَهُمْ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهِيَ حُجَّتُهُ الْبَالِغَةُ عَلَى الْكَافِرِينَ بِخِذْلَانِهِمْ ، وَانْكِسَارِهِمْ كَمَا أَنْذَرَهُمْ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذْ لَا مَجَالَ لِلْمُكَابَرَةِ فِيهَا وَلَا لِلتَّأْوِيلِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=28979_30763إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إِذْ يُرِيكَهُمُ هُنَا كَقَوْلِهِ قَبْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=42إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا كِلَاهُمَا بَدَلٌ مِنْ يَوْمِ الْفُرْقَانِ . وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَى رَسُولَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوِ الْوَقْتِ رُؤْيَا مَنَامِيَّةً مَثَّلَ لَهُ فِيهَا عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ قَلِيلًا ، فَأَخْبَرَ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ فَاطْمَأَنَّتْ قُلُوبُهُمْ ، وَقَوِيَتْ آمَالُهُمْ بِالنَّصْرِ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ
مُجَاهِدٌ ، وَمِنَ الْغَرِيبِ أَلَّا تَرَى فِي دَوَاوِينِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ حَدِيثًا مُسْنَدًا فِي هَذِهِ الرُّؤْيَا
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ أَيْ : أَحْجَمْتُمْ وَنَكَلْتُمْ عَنْ لِقَائِهِمْ بِشُعُورِ الْجُبْنِ وَالضَّعْفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ أَيْ : وَلَوَقَعَ بَيْنَكُمُ النِّزَاعُ ، وَتَفَرُّقُ الْآرَاءِ فِي أَمْرِ الْقِتَالِ ، فَمِنْكُمُ الْقَوِيُّ الْإِيمَانِ وَالْعَزِيمَةِ يَقُولُ : نُطِيعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَنُقَاتِلُ ، وَمِنْكُمُ الضَّعِيفُ الَّذِي يُثَبِّطُ عَنِ الْقِتَالِ بِمِثْلِ الْأَعْذَارِ الَّتِي جَادَلُوا بِهَا الرَّسُولَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ ( 8 : 6 ) الْآيَةَ .
فَإِنْ قُلْتَ : كَيْفَ يَصِحُّ مَعَ هَذَا أَنْ تَكُونَ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ ، وَأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنَ الْوَحْيِ ؟ ( قُلْتُ ) : قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَدَّرَ عَدَدَ الْمُشْرِكِينَ بِأَلْفٍ ، وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّ عَدَدَهُمْ 313 ، وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَهُمْ مَعَ هَذَا أَنَّهُ رَآهُمْ فِي مَنَامِهِ قَلِيلًا لَا أَنَّهُمْ قَلِيلٌ فِي الْوَاقِعِ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا الرُّؤْيَا بِأَنَّ بَلَاءَهُمْ يَكُونُ قَلِيلًا ، وَأَنَّ كَيْدَهُمْ يَكُونُ ضَعِيفًا ، فَتَجَرَّءُوا وَقَوِيَتْ قُلُوبُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ أَيْ : سَلَّمَكُمْ مِنَ الْفَشَلِ وَالتَّنَازُعِ وَتَفَرُّقِ الْكَلِمَةِ وَعَوَاقِبِ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَيْ : عَلِيمٌ بِمَا فِي الْقُلُوبِ الَّتِي فِي الصُّدُورِ مِنْ شُعُورِ الْجُبْنِ وَالْجَزَعِ الَّذِي تَضِيقُ بِهِ فَتَنْكُلُ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقِتَالِ ، وَمِنْ شُعُورِ الْإِيمَانِ وَالتَّوَكُّلِ الَّذِي يَبْعَثُ فِيهَا طُمَأْنِينَةَ الشَّجَاعَةِ ، وَالصَّبْرَ فَيَحْمِلُهَا عَلَى الْإِقْدَامِ ، فَيُسَخِّرُ لِكُلٍّ مِنْهَا الْأَسْبَابَ الَّتِي تُفْضِي إِلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=44وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا [ ص: 19 ] قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=44وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي مَعْنَاهُ فَجُمِعَ مَعَهُ وَاتَّصَلَ بِهِ - بِخِلَافِ " إِذْ " - فِي الْآيَتَيْنِ قَبْلَهَا ، فَلِذَلِكَ جَاءَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَفْصُولَةٌ غَيْرُ مَعْطُوفَةٍ . وَالْخِطَابُ هُنَا لِلْمُؤْمِنِينَ كَافَّةً ، وَالرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَعَهُمْ . فَالْمَعْنَى : وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيكُمُ اللَّهُ الْكُفَّارَ - عِنْدَ التَّلَاقِي مَعَهُمْ - قَلِيلًا بِمَا أَوْدَعَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِوَعْدِ اللَّهِ بِنَصْرِهِ لَكُمْ ، وَبِتَثْبِيتِكُمْ بِمَلَائِكَتِهِ ، وَمِنِ احْتِقَارِهِمْ وَالِاسْتِهَانَةِ بِهِمْ ، وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِقِلَّتِكُمْ بِالْفِعْلِ ، وَلِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْغُرُورِ وَالْعُجْبِ . حَتَّى قَالَ
أَبُو جَهْلٍ : إِنَّمَا أَصْحَابُ
مُحَمَّدٍ أَكْلَةُ جَزُورٍ . كَأَنَّهُ يَقُولُ : نَتَغَدَّاهُمْ وَنَتَعَشَّاهُمْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، وَكَانُوا يَأْكُلُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ جَزُورًا . وَمَعْنَى التَّعْلِيلِ لِيَقْدَمَ كُلٌّ مِنْكُمْ عَلَى قِتَالِ الْآخَرِ : هَذَا وَاثِقًا بِنَفْسِهِ ، مُدِلًّا بِبَأْسِهِ . وَهَذَا مُتَّكِلًا عَلَى رَبِّهِ ، وَاثِقًا بِوَعْدِهِ ، حَتَّى إِذَا مَا الْتَقَيْتُمْ ثَبَّتَكُمْ وَثَبَّطَهُمْ ، فَيَقْضِي بِإِظْهَارِكُمْ عَلَيْهِمْ أَمْرًا كَانَ فِي عِلْمِهِ مَفْعُولًا ، فَهَيَّأَ لَهُ أَسْبَابَهُ ، وَقَدَّرَهَا تَقْدِيرًا ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى جَعْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْمَفْعُولِ غَيْرَ الَّذِي ذُكِرَ قَبْلَهُ وَإِنْ سَهُلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَكَلُّفٍ بِاعْتِبَارِ مَبْدَأِ الْأَمْرِ وَغَايَتِهِ ، وَحُسْنِ تَأْثِيرِهِ وَثَمَرَتِهِ ، وَقَدْ كَانَ فِي الْفَرِيقَيْنِ عَظِيمًا ، فَإِنَّ تَكْرَارَ مَا تَقْتَضِي الْحَالُ تَكْرَارَهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْبَلَاغَةِ ، وَمَقْصِدٌ مِنْ أَهَمِّ مَقَاصِدِهَا ، خِلَافًا لِمَا زَعَمَ مُتَنَطِّعُو الْمُحَسِّنَاتِ اللَّفْظِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=44وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ فَلَا يُنَفَّذُ شَيْءٌ فِي الْعَالِمِ إِلَّا مَا قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ أَسْبَابَهُ ، وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ قَائِمَانِ بِسُنَنِهِ تَعَالَى فِي الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ، فَهُوَ لَوْ شَاءَ لَخَلَقَ فِي الْقُلُوبِ وَالْأَذْهَانِ مَا أَرَادَهُ بِتَأْثِيرِ مَنَامِ الرَّسُولِ ، وَبِتَقْلِيلِ كُلٍّ مِنَ الْجَمْعَيْنِ فِي أَعْيُنِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَتِّبَهُمَا عَلَى هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ ، وَلَكِنَّهُ نَاطَ كُلَّ شَيْءٍ بِسَبَبٍ ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ آيَاتِهِ لِرُسُلِهِ وَتَوْفِيقِهَ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ يَكُونَانِ بِتَسْخِيرِ الْأَسْبَابِ لَهُمْ ، وَمُوَافَقَةِ اجْتِهَادِهِمْ وَكَسْبِهِمْ لِسُنَنِهِ تَعَالَى فِي الْفَوْزِ وَالْفَلَاحِ ، كَمَا أَنَّ بَعْضَ الْآيَاتِ يَكُونُ بِأَسْبَابٍ غَيْبِيَّةٍ كَتَأْيِيدِ الْمَلَائِكَةِ وَتَثْبِيبِهِمْ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ .