قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=30ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق .
[ ص: 173 ] nindex.php?page=treesubj&link=29009قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=30ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب . لما ذكر
داود ذكر
سليمان و " أواب " معناه مطيع .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=31إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد يعني الخيل ، جمع جواد ، للفرس إذا كان شديد الحضر ، كما يقال للإنسان جواد إذا كان كثير العطية غزيرها ، يقال : قوم أجواد وخيل جياد ، جاد الرجل بماله يجود جودا فهو جواد ، وقوم جود مثال قذال وقذل ، وإنما سكنت الواو لأنها حرف علة ، وأجواد وأجاود وجوداء ، وكذلك امرأة جواد ونسوة جود مثل نوار ونور ، قال الشاعر : [ هو
أبو شهاب الهذلي ]
صناع بإشفاها حصان بشكرها جواد بقوت البطن والعرق زاخر
وتقول : سرنا عقبة جوادا ، وعقبتين جوادين ، وعقبا جيادا . وجاد الفرس أي : صار رائعا يجود جودة بالضم فهو جواد للذكر والأنثى ، من خيل جياد وأجياد وأجاويد . وقيل : إنها الطوال الأعناق مأخوذ من الجيد وهو العنق ; لأن طول الأعناق في الخيل من صفات فراهتها . وفي الصافنات أيضا وجهان : أحدهما أن صفونها قيامها . قال
القتبي والفراء : الصافن في كلام العرب الواقف من الخيل أو غيرها . ومنه ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831037من سره أن يقوم له الرجال صفونا فليتبوأ مقعده من النار أي : يديمون له القيام ، حكاه
قطرب أيضا وأنشد قول
النابغة :
لنا قبة مضروبة بفنائها عتاق المهارى والجياد الصوافن
وهذا قول
قتادة . الثاني : أن صفونها رفع إحدى اليدين على طرف الحافر حتى يقوم على ثلاث ، كما قال الشاعر :
ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسيرا
وقال
عمرو بن كلثوم :
تركنا الخيل عاكفة عليه مقلدة أعنتها صفونا
وهذا قول
مجاهد . قال
الكلبي : غزا
سليمان أهل دمشق ونصيبين فأصاب منهم ألف
[ ص: 174 ] فرس . وقال
مقاتل : ورث
سليمان من أبيه
داود ألف فرس ، وكان أبوه أصابها من العمالقة . وقال
الحسن : بلغني أنها كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة . وقاله
الضحاك . وأنها كانت خيلا أخرجت
لسليمان من البحر منقوشة ذات أجنحة .
ابن زيد : أخرج الشيطان
لسليمان الخيل من البحر من مروج البحر ، وكانت لها أجنحة . وكذلك قال
علي - رضي الله عنه - : كانت عشرين فرسا ذوات أجنحة . وقيل : كانت مائة فرس . وفي الخبر عن
إبراهيم التيمي : أنها كانت عشرين ألفا ، فالله أعلم .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي يعني بالخير الخيل ، والعرب تسميها كذلك ، وتعاقب بين الراء واللام ، فتقول : انهملت العين وانهمرت ، وختلت وخترت إذا خدعت . قال
الفراء : الخير في كلام العرب والخيل واحد .
النحاس : في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831038الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة فكأنها سميت خيرا لهذا . وفي الحديث : لما
وفد زيد الخيل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال له : أنت زيد الخير وهو
زيد بن مهلهل الشاعر . وقيل : إنما سميت خيرا لما فيها من المنافع . وفي الخبر :
إن الله تعالى عرض على آدم جميع الدواب ، وقيل له : اختر منها واحدا ، فاختار الفرس ، فقيل له : اخترت عزك ، فصار اسمه الخير من هذا الوجه . وسمي خيلا ; لأنها موسومة بالعز . وسمي فرسا لأنه يفترس مسافات الجو افتراس الأسد وثبانا ، ويقطعها كالالتهام بيديه على كل شيء خبطا وتناولا . وسمي عربيا لأنه جيء به من بعد
آدم لإسماعيل جزاء عن رفع قواعد البيت ،
وإسماعيل عربي ، فصارت له نحلة من الله ، فسمي عربيا . و " حب " مفعول في قول
الفراء . والمعنى إني آثرت حب الخير . وغيره يقدره مصدرا أضيف إلى المفعول ، أي : أحببت الخير حبا فألهاني عن ذكر ربي . وقيل : إن معنى أحببت قعدت وتأخرت ، من قولهم : أحب البعير إذا برك وتأخر . وأحب فلان أي : طأطأ رأسه . قال
أبو زيد : يقال : بعير محب ، وقد أحب إحبابا ، وهو أن يصيبه مرض أو كسر فلا يبرح مكانه حتى يبرأ أو يموت . وقال
ثعلب : يقال أيضا للبعير الحسير محب ، فالمعنى قعدت عن ذكر ربي . و " حب " على هذا مفعول له . وذكر
أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان : أحببت بمعنى لزمت ، من قوله :
مثل بعير السوء إذ أحبا
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حتى توارت بالحجاب يعني الشمس ، كناية عن غير مذكور ، مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45ما ترك على ظهرها من دابة أي على ظهر الأرض ، وتقول العرب : هاجت باردة أي : هاجت
[ ص: 175 ] الريح باردة . وقال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=83فلولا إذا بلغت الحلقوم أي : بلغت النفس الحلقوم . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=32إنها ترمي بشرر كالقصر ولم يتقدم للنار ذكر . وقال
الزجاج : إنما يجوز الإضمار إذا جرى ذكر الشيء أو دليل الذكر ، وقد جرى هاهنا الدليل وهو قوله : بالعشي . والعشي ما بعد الزوال ، والتواري الاستتار عن الأبصار ، والحجاب جبل أخضر محيط بالخلائق ، قاله
قتادة وكعب . وقيل : هو جبل قاف . وقيل : جبل دون قاف . والحجاب الليل ، سمي حجابا لأنه يستر ما فيه . وقيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حتى توارت أي : الخيل في المسابقة . وذلك أن
سليمان كان له ميدان مستدير يسابق فيه بين الخيل ، حتى توارت عنه وتغيب عن عينه في المسابقة ; لأن الشمس لم يجر لها ذكر . وذكر
النحاس أن
سليمان - عليه السلام - كان في صلاة فجيء إليه بخيل لتعرض عليه قد غنمت فأشار بيده لأنه كان يصلي حتى توارت الخيل وسترتها جدر الإصطبلات ، فلما فرغ من صلاته قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33ردوها علي فطفق مسحا أي : فأقبل يمسحها مسحا . وفي معناه قولان : أحدهما أنه أقبل يمسح سوقها وأعناقها بيده إكراما منه لها ، وليري أن الجليل لا يقبح أن يفعل مثل هذا بخيله . وقال قائل هذا القول : كيف يقتلها وفي ذلك إفساد المال ومعاقبة من لا ذنب له ؟ . وقيل : المسح هاهنا هو القطع ، أذن له في قتلها . قال
الحسن والكلبي ومقاتل : صلى
سليمان الصلاة الأولى وقعد على كرسيه وهي تعرض عليه ، وكانت ألف فرس ، فعرض عليه منها تسعمائة فتنبه لصلاة العصر ، فإذا الشمس قد غربت وفاتت الصلاة ، ولم يعلم بذلك هيبة له فاغتم ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33ردوها علي فردت فعقرها بالسيف قربة لله ، وبقي منها مائة ، فما في أيدي الناس من الخيل العتاق اليوم فهي من نسل تلك الخيل . قال
القشيري : وقيل : ما كان في ذلك الوقت صلاة الظهر ولا صلاة العصر ، بل كانت تلك الصلاة نافلة فشغل عنها . وكان
سليمان - عليه السلام - رجلا مهيبا ، فلم يذكره أحد ما نسي من الفرض أو النفل وظنوا التأخر مباحا ، فتذكر
سليمان تلك الصلاة الفائتة ، وقال على سبيل التلهف :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي أي : عن الصلاة ، وأمر برد الأفراس إليه ، وأمر بضرب عراقيبها وأعناقها ، ولم يكن ذلك معاقبة للأفراس ، إذ ذبح البهائم جائز إذا كانت مأكولة ، بل عاقب نفسه حتى لا تشغله الخيل بعد ذلك عن الصلاة . ولعله عرقبها ليذبحها فحبسها بالعرقبة عن النفار ، ثم ذبحها في الحال ، ليتصدق بلحمها ، أو لأن ذلك كان مباحا في شرعه فأتلفها لما شغلته عن ذكر
[ ص: 176 ] الله ، حتى يقطع عن نفسه ما يشغله عن الله ، فأثنى الله عليه بهذا ، وبين أنه أثابه بأن سخر له الريح ، فكان يقطع عليها من المسافة في يوم ما يقطع مثله على الخيل في شهرين غدوا ورواحا . وقد قيل : إن الهاء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33ردوها علي للشمس لا للخيل . قال
ابن عباس : سألت
عليا عن هذه الآية فقال : ما بلغك فيها ؟ فقلت : سمعت
كعبا يقول : إن
سليمان لما اشتغل بعرض الأفراس حتى توارت الشمس بالحجاب وفاتته الصلاة ، قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي أي : آثرت
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حب الخير عن ذكر ربي الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33ردوها علي يعني الأفراس ، وكانت أربع عشرة ، فضرب سوقها وأعناقها بالسيف ، وأن الله سلبه ملكه أربعة عشر يوما ; لأنه ظلم الخيل . فقال
علي بن أبي طالب : كذب
كعب لكن
سليمان اشتغل بعرض الأفراس للجهاد حتى توارت أي : غربت الشمس بالحجاب ، فقال بأمر الله للملائكة الموكلين بالشمس : ردوها يعني الشمس ، فردوها حتى صلى العصر في وقتها ، وأن أنبياء الله لا يظلمون لأنهم معصومون .
قلت : الأكثر في التفسير أن التي توارت بالحجاب هي الشمس ، وتركها لدلالة السامع عليها بما ذكر مما يرتبط بها ويتعلق بذكرها ، حسب ما تقدم بيانه . وكثيرا ما يضمرون الشمس ، قال
لبيد :
حتى إذا ألقت يدا في كافر وأجن عورات الثغور ظلامها
والهاء في ردوها للخيل ، ومسحها قال
الزهري وابن كيسان : كان يمسح سوقها وأعناقها ، ويكشف الغبار عنها حبا لها . وقال
الحسن وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس . وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=831040أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رئي وهو يمسح فرسه بردائه . وقال : إني عوتبت الليلة في الخيل خرجه الموطأ عن
يحيى بن سعيد مرسلا . وهو في غير الموطأ مسند متصل عن
مالك عن
يحيى بن سعيد عن
أنس . وقد مضى في [ الأنفال ] قوله - عليه السلام - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831041وامسحوا بنواصيها وأكفالها وروى
ابن وهب عن
مالك أنه مسح أعناقها وسوقها بالسيوف .
قلت : وقد استدل
الشبلي وغيره من الصوفية في تقطيع ثيابهم وتخريقها بفعل
سليمان هذا . وهو استدلال فاسد ; لأنه لا يجوز أن ينسب إلى نبي معصوم أنه فعل الفساد . والمفسرون اختلفوا في معنى الآية ، فمنهم من قال : مسح على أعناقها وسوقها إكراما لها ، وقال : أنت في سبيل الله ، فهذا إصلاح . ومنهم من قال : عرقبها ثم ذبحها ،
nindex.php?page=treesubj&link=16840وذبح الخيل وأكل لحمها جائز .
[ ص: 177 ] وقد مضى في [ النحل ] بيانه . وعلى هذا فما فعل شيئا عليه فيه جناح . فأما إفساد ثوب صحيح لا لغرض صحيح فإنه لا يجوز . ومن الجائز أن يكون في شريعة
سليمان جواز ما فعل ، ولا يكون في شرعنا . وقد قيل : إنما فعل بالخيل ما فعل بإباحة الله - جل وعز - له ذلك . وقد قيل : إن مسحه إياها وسمها بالكي وجعلها في سبيل الله ، فالله أعلم . وقد ضعف هذا القول من حيث إن السوق ليست بمحل للوسم بحال . وقد يقال : الكي على الساق علاط ، وعلى العنق وثاق . والذي في الصحاح
للجوهري : علط البعير علطا كواه في عنقه بسمة العلاط . والعلاطان جانبا العنق .
قلت : ومن قال إن الهاء في ردوها ترجع للشمس فذلك من معجزاته . وقد اتفق مثل ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم . خرج
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي في مشكل الحديث عن
nindex.php?page=showalam&ids=116أسماء بنت عميس من طريقين
nindex.php?page=hadith&LINKID=864884أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوحى إليه ورأسه في حجر علي ، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أصليت يا علي قال : لا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس . قالت أسماء : فرأيتها غربت ثم رأيتها بعدما غربت طلعت على الجبال والأرض ، وذلك بالصهباء في خيبر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : وهذان الحديثان ثابتان ، ورواتهما ثقات .
قلت : وضعف
nindex.php?page=showalam&ids=11890أبو الفرج ابن الجوزي هذا الحديث فقال : وغلو
الرافضة في حب
علي - عليه السلام - حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله ، منها أن الشمس غابت ففاتت
عليا - عليه السلام - العصر فردت له الشمس ، وهذا من حيث النقل محال ، ومن حيث المعنى فإن الوقت قد فات وعودها طلوع متجدد لا يرد الوقت . ومن قال : إن الهاء ترجع إلى الخيل ، وأنها كانت تبعد عن عين
سليمان في السباق ، ففيه دليل على
nindex.php?page=treesubj&link=23915المسابقة بالخيل ، وهو أمر مشروع . وقد مضى القول فيه في [ يوسف ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=30وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ .
[ ص: 173 ] nindex.php?page=treesubj&link=29009قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=30وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ . لَمَّا ذَكَرَ
دَاوُدَ ذَكَرَ
سُلَيْمَانَ وَ " أَوَّابٌ " مَعْنَاهُ مُطِيعٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=31إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ يَعْنِي الْخَيْلَ ، جَمْعُ جَوَادٍ ، لِلْفَرَسِ إِذَا كَانَ شَدِيدَ الْحَضَرِ ، كَمَا يُقَالُ لِلْإِنْسَانِ جَوَادٌ إِذَا كَانَ كَثِيرَ الْعَطِيَّةِ غَزِيرَهَا ، يُقَالُ : قَوْمٌ أَجُوَادٌ وَخَيْلٌ جِيَادٌ ، جَادَ الرَّجُلُ بِمَالِهِ يَجُودُ جُودًا فَهُوَ جَوَادٌ ، وَقَوْمٌ جُودٌ مِثَالُ قَذَالٍ وَقُذُلٍ ، وَإِنَّمَا سُكِّنَتِ الْوَاوُ لِأَنَّهَا حَرْفُ عِلَّةٍ ، وَأَجْوَادٌ وَأَجَاوِدُ وَجُوَدَاءُ ، وَكَذَلِكَ امْرَأَةٌ جَوَادٌ وَنِسْوَةٌ جُودٌ مِثْلُ نَوَارٍ وَنُورٍ ، قَالَ الشَّاعِرُ : [ هُوَ
أَبُو شِهَابٍ الْهُذَلِيُّ ]
صَنَاعٌ بِإِشْفَاهَا حَصَانٌ بِشُكْرِهَا جَوَادٌ بِقُوتِ الْبَطْنِ وَالْعِرْقُ زَاخِرُ
وَتَقُولُ : سِرْنَا عُقْبَةَ جَوَادًا ، وَعُقْبَتَيْنِ جَوَادَيْنِ ، وَعُقَبًا جِيَادًا . وَجَادَ الْفَرَسُ أَيْ : صَارَ رَائِعًا يَجُودُ جُودَةً بِالضَّمِّ فَهُوَ جَوَادٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، مِنْ خَيْلٍ جِيَادٍ وَأَجْيَادَ وَأَجَاوِيدَ . وَقِيلَ : إِنَّهَا الطِّوَالُ الْأَعْنَاقِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجِيدِ وَهُوَ الْعُنُقُ ; لِأَنَّ طُولَ الْأَعْنَاقِ فِي الْخَيْلِ مِنْ صِفَاتِ فَرَاهَتِهَا . وَفِي الصَّافِنَاتِ أَيْضًا وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ صُفُونَهَا قِيَامُهَا . قَالَ
الْقُتَبِيُّ وَالْفَرَّاءُ : الصَّافِنُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْوَاقِفُ مِنَ الْخَيْلِ أَوْ غَيْرِهَا . وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831037مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقُومَ لَهُ الرِّجَالُ صُفُونًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ أَيْ : يُدِيمُونَ لَهُ الْقِيَامَ ، حَكَاهُ
قُطْرُبٌ أَيْضًا وَأَنْشَدَ قَوْلَ
النَّابِغَةِ :
لَنَا قُبَّةٌ مَضْرُوبَةٌ بِفِنَائِهَا عِتَاقُ الْمَهَارَى وَالْجِيَادُ الصَّوَافِنُ
وَهَذَا قَوْلُ
قَتَادَةَ . الثَّانِي : أَنَّ صُفُونَهَا رَفْعُ إِحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى طَرَفِ الْحَافِرِ حَتَّى يَقُومَ عَلَى ثَلَاثٍ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
أَلِفَ الصُّفُونَ فَمَا يَزَالُ كَأَنَّهُ مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلَاثِ كَسِيرَا
وَقَالَ
عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ :
تَرَكْنَا الْخَيْلَ عَاكِفَةً عَلَيْهِ مُقَلَّدَةً أَعِنَّتَهَا صُفُونَا
وَهَذَا قَوْلُ
مُجَاهِدٍ . قَالَ
الْكَلْبِيُّ : غَزَا
سُلَيْمَانُ أَهْلَ دِمَشْقَ وَنَصِيبِينَ فَأَصَابَ مِنْهُمْ أَلْفَ
[ ص: 174 ] فَرَسٍ . وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : وَرِثَ
سُلَيْمَانُ مِنْ أَبِيهِ
دَاوُدَ أَلْفَ فَرَسٍ ، وَكَانَ أَبُوهُ أَصَابَهَا مِنَ الْعَمَالِقَةِ . وَقَالَ
الْحَسَنُ : بَلَغَنِي أَنَّهَا كَانَتْ خَيْلًا خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ لَهَا أَجْنِحَةٌ . وَقَالَهُ
الضَّحَّاكُ . وَأَنَّهَا كَانَتْ خَيْلًا أُخْرِجَتْ
لِسُلَيْمَانَ مِنَ الْبَحْرِ مَنْقُوشَةً ذَاتَ أَجْنِحَةٍ .
ابْنُ زَيْدٍ : أَخْرَجَ الشَّيْطَانُ
لِسُلَيْمَانَ الْخَيْلَ مِنَ الْبَحْرِ مِنْ مُرُوجِ الْبَحْرِ ، وَكَانَتْ لَهَا أَجْنِحَةٌ . وَكَذَلِكَ قَالَ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا ذَوَاتِ أَجْنِحَةٍ . وَقِيلَ : كَانَتْ مِائَةَ فَرَسٍ . وَفِي الْخَبَرِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ : أَنَّهَا كَانَتْ عِشْرِينَ أَلْفًا ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي يَعْنِي بِالْخَيْرِ الْخَيْلَ ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهَا كَذَلِكَ ، وَتُعَاقِبُ بَيْنَ الرَّاءِ وَاللَّامِ ، فَتَقُولُ : انْهَمَلَتِ الْعَيْنُ وَانْهَمَرَتْ ، وَخَتَلَتْ وَخَتَرَتْ إِذَا خُدِعَتْ . قَالَ
الْفَرَّاءُ : الْخَيْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْخَيْلُ وَاحِدٌ .
النَّحَّاسُ : فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831038الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَكَأَنَّهَا سُمِّيَتْ خَيْرًا لِهَذَا . وَفِي الْحَدِيثِ : لَمَّا
وَفَدَ زَيْدُ الْخَيْلِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ لَهُ : أَنْتَ زَيْدُ الْخَيْرِ وَهُوَ
زَيْدُ بْنُ مُهَلْهِلٍ الشَّاعِرِ . وَقِيلَ : إِنَّمَا سُمِّيَتْ خَيْرًا لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنَافِعِ . وَفِي الْخَبَرِ :
إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَرَضَ عَلَى آدَمَ جَمِيعَ الدَّوَابِّ ، وَقِيلَ لَهُ : اخْتَرْ مِنْهَا وَاحِدًا ، فَاخْتَارَ الْفَرَسَ ، فَقِيلَ لَهُ : اخْتَرْتَ عِزَّكَ ، فَصَارَ اسْمُهُ الْخَيْرَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ . وَسُمِّيَ خَيْلًا ; لِأَنَّهَا مَوْسُومَةٌ بِالْعِزِّ . وَسُمِّيَ فَرَسًا لِأَنَّهُ يَفْتَرِسُ مَسَافَاتِ الْجَوِّ افْتِرَاسَ الْأَسَدِ وَثَبَانًا ، وَيَقْطَعُهَا كَالِالْتِهَامِ بِيَدَيْهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ خَبْطًا وَتَنَاوُلًا . وَسُمِّيَ عَرَبِيًّا لِأَنَّهُ جِيءَ بِهِ مِنْ بَعْدِ
آدَمَ لِإِسْمَاعِيلَ جَزَاءً عَنْ رَفْعِ قَوَاعِدِ الْبَيْتِ ،
وَإِسْمَاعِيلُ عَرَبِيٌّ ، فَصَارَتْ لَهُ نِحْلَةً مِنَ اللَّهِ ، فَسُمِّيَ عَرَبِيًّا . وَ " حُبَّ " مَفْعُولٌ فِي قَوْلِ
الْفَرَّاءِ . وَالْمَعْنَى إِنِّي آثَرْتُ حُبَّ الْخَيْرِ . وَغَيْرُهُ يُقَدِّرُهُ مَصْدَرًا أُضِيفَ إِلَى الْمَفْعُولِ ، أَيْ : أَحْبَبْتُ الْخَيْرَ حُبًّا فَأَلْهَانِي عَنْ ذِكْرِ رَبِّي . وَقِيلَ : إِنَّ مَعْنَى أَحْبَبْتُ قَعَدْتُ وَتَأَخَّرْتُ ، مِنْ قَوْلِهِمْ : أَحَبَّ الْبَعِيرَ إِذَا بَرَكَ وَتَأَخَّرَ . وَأَحَبَّ فُلَانٌ أَيْ : طَأْطَأَ رَأْسَهُ . قَالَ
أَبُو زَيْدٍ : يُقَالُ : بَعِيرٌ مُحِبٌّ ، وَقَدْ أَحَبَّ إِحْبَابًا ، وَهُوَ أَنْ يُصِيبَهُ مَرَضٌ أَوْ كَسْرٌ فَلَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ حَتَّى يَبْرَأَ أَوْ يَمُوتَ . وَقَالَ
ثَعْلَبٌ : يُقَالُ أَيْضًا لِلْبَعِيرِ الْحَسِيرِ مُحِبٌّ ، فَالْمَعْنَى قَعَدْتُ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي . وَ " حُبَّ " عَلَى هَذَا مَفْعُولٌ لَهُ . وَذَكَرَ
أَبُو الْفَتْحِ الْهَمْدَانِيُّ فِي كِتَابِ التِّبْيَانِ : أَحْبَبْتُ بِمَعْنَى لَزِمْتُ ، مِنْ قَوْلِهِ :
مِثْلُ بَعِيرِ السُّوءِ إِذْ أَحَبَّا
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ يَعْنِي الشَّمْسَ ، كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ أَيْ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ ، وَتَقُولُ الْعَرَبُ : هَاجَتْ بَارِدَةً أَيْ : هَاجَتِ
[ ص: 175 ] الرِّيحُ بَارِدَةً . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=83فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ أَيْ : بَلَغَتِ النَّفْسُ الْحُلْقُومَ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=32إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لِلنَّارِ ذِكْرٌ . وَقَالَ
الزَّجَّاجُ : إِنَّمَا يَجُوزُ الْإِضْمَارُ إِذَا جَرَى ذِكْرُ الشَّيْءِ أَوْ دَلِيلُ الذِّكْرِ ، وَقَدْ جَرَى هَاهُنَا الدَّلِيلُ وَهُوَ قَوْلُهُ : بِالْعَشِيِّ . وَالْعَشِيُّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ ، وَالتَّوَارِي الِاسْتِتَارُ عَنِ الْأَبْصَارِ ، وَالْحِجَابُ جَبَلٌ أَخْضَرُ مُحِيطٌ بِالْخَلَائِقِ ، قَالَهُ
قَتَادَةُ وَكَعْبٌ . وَقِيلَ : هُوَ جَبَلُ قَافٍ . وَقِيلَ : جَبَلٌ دُونَ قَافٍ . وَالْحِجَابُ اللَّيْلُ ، سُمِّيَ حِجَابًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ مَا فِيهِ . وَقِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حَتَّى تَوَارَتْ أَيِ : الْخَيْلُ فِي الْمُسَابَقَةِ . وَذَلِكَ أَنَّ
سُلَيْمَانَ كَانَ لَهُ مَيْدَانٌ مُسْتَدِيرٌ يُسَابِقُ فِيهِ بَيْنَ الْخَيْلِ ، حَتَّى تَوَارَتْ عَنْهُ وَتَغِيبُ عَنْ عَيْنِهِ فِي الْمُسَابَقَةِ ; لِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ . وَذَكَرَ
النَّحَّاسُ أَنَّ
سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ فِي صَلَاةٍ فَجِيءَ إِلَيْهِ بِخَيْلٍ لِتُعْرَضَ عَلَيْهِ قَدْ غُنِمَتْ فَأَشَارَ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَوَارَتِ الْخَيْلُ وَسَتَرَتْهَا جُدُرُ الْإِصْطَبْلَاتِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا أَيْ : فَأَقْبَلَ يَمْسَحُهَا مَسْحًا . وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقْبَلَ يَمْسَحُ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا بِيَدِهِ إِكْرَامًا مِنْهُ لَهَا ، وَلِيُرِيَ أَنَّ الْجَلِيلَ لَا يَقْبُحُ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا بِخَيْلِهِ . وَقَالَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ : كَيْفَ يَقْتُلُهَا وَفِي ذَلِكَ إِفْسَادُ الْمَالِ وَمُعَاقَبَةُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ؟ . وَقِيلَ : الْمَسْحُ هَاهُنَا هُوَ الْقَطْعُ ، أُذِنَ لَهُ فِي قَتْلِهَا . قَالَ
الْحَسَنُ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ : صَلَّى
سُلَيْمَانُ الصَّلَاةَ الْأُولَى وَقَعَدَ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَهِيَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ ، وَكَانَتْ أَلْفَ فَرَسٍ ، فَعُرِضَ عَلَيْهِ مِنْهَا تِسْعُمِائَةٍ فَتَنَبَّهَ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ ، فَإِذَا الشَّمْسُ قَدْ غَرَبَتْ وَفَاتَتِ الصَّلَاةُ ، وَلَمْ يُعْلَمْ بِذَلِكَ هَيْبَةً لَهُ فَاغْتَمَّ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33رُدُّوهَا عَلَيَّ فَرُدَّتْ فَعَقَرَهَا بِالسَّيْفِ قُرْبَةً لِلَّهِ ، وَبَقِيَ مِنْهَا مِائَةٌ ، فَمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنَ الْخَيْلِ الْعِتَاقِ الْيَوْمَ فَهِيَ مِنْ نَسْلِ تِلْكَ الْخَيْلِ . قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ : وَقِيلَ : مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَلَا صَلَاةُ الْعَصْرِ ، بَلْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ نَافِلَةً فَشُغِلَ عَنْهَا . وَكَانَ
سُلَيْمَانُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَجُلًا مَهِيبًا ، فَلَمْ يُذَكِّرْهُ أَحَدٌ مَا نَسِيَ مِنَ الْفَرْضِ أَوِ النَّفْلِ وَظَنُّوا التَّأَخُّرَ مُبَاحًا ، فَتَذَكَّرَ
سُلَيْمَانُ تِلْكَ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ ، وَقَالَ عَلَى سَبِيلِ التَّلَهُّفِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي أَيْ : عَنِ الصَّلَاةِ ، وَأَمَرَ بِرَدِّ الْأَفْرَاسِ إِلَيْهِ ، وَأَمَرَ بِضَرْبِ عَرَاقِيبِهَا وَأَعْنَاقِهَا ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُعَاقَبَةً لِلْأَفْرَاسِ ، إِذْ ذَبْحُ الْبَهَائِمِ جَائِزٌ إِذَا كَانَتْ مَأْكُولَةً ، بَلْ عَاقَبَ نَفْسَهُ حَتَّى لَا تَشْغَلَهُ الْخَيْلُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الصَّلَاةِ . وَلَعَلَّهُ عَرْقَبَهَا لِيَذْبَحَهَا فَحَبَسَهَا بِالْعَرْقَبَةِ عَنِ النِّفَارِ ، ثُمَّ ذَبَحَهَا فِي الْحَالِ ، لِيَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا ، أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا فِي شَرْعِهِ فَأَتْلَفَهَا لَمَّا شَغَلَتْهُ عَنْ ذِكْرِ
[ ص: 176 ] اللَّهِ ، حَتَّى يَقْطَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَا يَشْغَلُهُ عَنِ اللَّهِ ، فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَذَا ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَثَابَهُ بِأَنْ سَخَّرَ لَهُ الرِّيحَ ، فَكَانَ يَقْطَعُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَسَافَةِ فِي يَوْمٍ مَا يَقْطَعُ مِثْلُهُ عَلَى الْخَيْلِ فِي شَهْرَيْنِ غُدُوًّا وَرَوَاحًا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33رُدُّوهَا عَلَيَّ لِلشَّمْسِ لَا لِلْخَيْلِ . قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : سَأَلْتُ
عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : مَا بَلَغَكَ فِيهَا ؟ فَقُلْتُ : سَمِعْتُ
كَعْبًا يَقُولُ : إِنَّ
سُلَيْمَانَ لَمَّا اشْتَغَلَ بِعَرْضِ الْأَفْرَاسِ حَتَّى تَوَارَتِ الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ وَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ ، قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي أَيْ : آثَرْتُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي الْآيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=33رُدُّوهَا عَلَيَّ يَعْنِي الْأَفْرَاسَ ، وَكَانَتْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ، فَضَرَبَ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا بِالسَّيْفِ ، وَأَنَّ اللَّهَ سَلَبَهُ مُلْكَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ; لِأَنَّهُ ظَلَمَ الْخَيْلَ . فَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : كَذَبَ
كَعْبٌ لَكِنَّ
سُلَيْمَانُ اشْتَغَلَ بِعَرْضِ الْأَفْرَاسِ لِلْجِهَادِ حَتَّى تَوَارَتْ أَيْ : غَرَبَتِ الشَّمْسُ بِالْحِجَابِ ، فَقَالَ بِأَمْرِ اللَّهِ لِلْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ بِالشَّمْسِ : رُدُّوهَا يَعْنِي الشَّمْسَ ، فَرَدُّوهَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ فِي وَقْتِهَا ، وَأَنَّ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ لَا يَظْلِمُونَ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ .
قُلْتُ : الْأَكْثَرُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الَّتِي تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ هِيَ الشَّمْسُ ، وَتَرَكَهَا لِدَلَالَةِ السَّامِعِ عَلَيْهَا بِمَا ذُكِرَ مِمَّا يَرْتَبِطُ بِهَا وَيَتَعَلَّقُ بِذِكْرِهَا ، حَسَبَ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ . وَكَثِيرًا مَا يُضْمِرُونَ الشَّمْسَ ، قَالَ
لَبِيَدٌ :
حَتَّى إِذَا أَلْقَتْ يَدًا فِي كَافِرٍ وَأَجَنَّ عَوْرَاتِ الثُّغُورِ ظَلَامُهَا
وَالْهَاءُ فِي رُدُّوهَا لِلْخَيْلِ ، وَمَسْحُهَا قَالَ
الزُّهْرِيُّ وَابْنُ كَيْسَانَ : كَانَ يَمْسَحُ سُوقَهَا وَأَعْنَاقَهَا ، وَيَكْشِفُ الْغُبَارَ عَنْهَا حُبًّا لَهَا . وَقَالَ
الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ . وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=831040أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُئِيَ وَهُوَ يَمْسَحُ فَرَسَهُ بِرِدَائِهِ . وَقَالَ : إِنِّي عُوتِبْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْخَيْلِ خَرَّجَهُ الْمُوَطَّأُ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُرْسَلًا . وَهُوَ فِي غَيْرِ الْمُوَطَّأِ مُسْنَدٌ مُتَّصِلٌ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
أَنَسٍ . وَقَدْ مَضَى فِي [ الْأَنْفَالِ ] قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831041وَامْسَحُوا بِنَوَاصِيهَا وَأَكْفَالِهَا وَرَوَى
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ مَسَحَ أَعْنَاقَهَا وَسُوقَهَا بِالسُّيُوفِ .
قُلْتُ : وَقَدِ اسْتَدَلَّ
الشِّبْلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الصُّوفِيَّةِ فِي تَقْطِيعِ ثِيَابِهِمْ وَتَخْرِيقِهَا بِفِعْلِ
سُلَيْمَانَ هَذَا . وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى نَبِيٍّ مَعْصُومٍ أَنَّهُ فَعَلَ الْفَسَادَ . وَالْمُفَسِّرُونَ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : مَسَحَ عَلَى أَعْنَاقِهَا وَسُوقِهَا إِكْرَامًا لَهَا ، وَقَالَ : أَنْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَهَذَا إِصْلَاحٌ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : عَرْقَبَهَا ثُمَّ ذَبَحَهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=16840وَذَبْحُ الْخَيْلِ وَأَكْلُ لَحْمِهَا جَائِزٌ .
[ ص: 177 ] وَقَدْ مَضَى فِي [ النَّحْلِ ] بَيَانُهُ . وَعَلَى هَذَا فَمَا فَعَلَ شَيْئًا عَلَيْهِ فِيهِ جُنَاحٌ . فَأَمَّا إِفْسَادُ ثَوْبٍ صَحِيحٍ لَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ . وَمِنَ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ فِي شَرِيعَةِ
سُلَيْمَانَ جَوَازُ مَا فَعَلَ ، وَلَا يَكُونُ فِي شَرْعِنَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا فَعَلَ بِالْخَيْلِ مَا فَعَلَ بِإِبَاحَةِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - لَهُ ذَلِكَ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ مَسْحَهُ إِيَّاهَا وَسْمُهَا بِالْكَيِّ وَجَعْلُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ ضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ السُّوقَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلْوَسْمِ بِحَالٍ . وَقَدْ يُقَالُ : الْكَيُّ عَلَى السَّاقِ عِلَاطٌ ، وَعَلَى الْعُنُقِ وِثَاقٌ . وَالَّذِي فِي الصِّحَاحِ
لِلْجَوْهَرِيِّ : عَلَطَ الْبَعِيرَ عَلْطًا كَوَاهُ فِي عُنُقِهِ بِسِمَةِ الْعِلَاطِ . وَالْعِلَاطَانِ جَانِبَا الْعُنُقِ .
قُلْتُ : وَمَنْ قَالَ إِنَّ الْهَاءَ فِي رُدُّوهَا تَرْجِعُ لِلشَّمْسِ فَذَلِكَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ . وَقَدِ اتَّفَقَ مِثْلَ ذَلِكَ لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . خَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِلِ الْحَدِيثِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=116أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=864884أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوحَى إِلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ ، فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَصَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ قَالَ : لَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ . قَالَتْ أَسْمَاءُ : فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَيْتُهَا بَعْدَمَا غَرَبَتْ طَلَعَتْ عَلَى الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ ، وَذَلِكَ بِالصَّهْبَاءِ فِي خَيْبَرَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطَّحَاوِيُّ : وَهَذَانَ الْحَدِيثَانِ ثَابِتَانِ ، وَرُوَاتُهُمَا ثِقَاتٌ .
قُلْتُ : وَضَعَّفَ
nindex.php?page=showalam&ids=11890أَبُو الْفَرْجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ : وَغُلُوُّ
الرَّافِضَةِ فِي حُبِّ
عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ وَضَعُوا أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي فَضَائِلِهِ ، مِنْهَا أَنَّ الشَّمْسَ غَابَتْ فَفَاتَتْ
عَلِيًّا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْعَصْرُ فَرُدَّتْ لَهُ الشَّمْسُ ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ النَّقْلِ مُحَالٌ ، وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْوَقْتَ قَدْ فَاتَ وَعَوْدُهَا طُلُوعٌ مُتَجَدِّدٌ لَا يَرُدُّ الْوَقْتَ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّ الْهَاءَ تَرْجِعُ إِلَى الْخَيْلِ ، وَأَنَّهَا كَانَتْ تَبْعُدُ عَنْ عَيْنِ
سُلَيْمَانَ فِي السِّبَاقِ ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=23915الْمُسَابَقَةِ بِالْخَيْلِ ، وَهُوَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ . وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ فِي [ يُوسُفَ ] .