[ ص: 19 ] فصل [1]
قال الرافضي [2] : " وروى أصحاب الصحاح الستة [3] من مسند ابن عباس [4] . ، أكتب [5] . لكم كتابا لا تضلون به من بعدي ، فقال : إن الرجل ليهجر ، حسبنا كتاب الله ، فكثر اللغط ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اخرجوا عني ، لا ينبغي عمر [6] التنازع لدي . فقال : الرزية كل الرزية ما ابن عباس [7] حال بيننا وبين كتاب [8] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال عمر [9] لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما مات محمد [10] ولا يموت حتى يقطع أيدي رجال [ ص: 20 ] وأرجلهم ، فلما نهاه [11] وتلا عليه : ( أبو بكر إنك ميت وإنهم ميتون ) [ سورة الزمر : 30 ] وقوله : ( أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) [ سورة آل عمران : 144 ] قال : كأني ما سمعت [12] هذه الآية " . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في مرض موته : ائتوني بدواة وبياض
والجواب : أن يقال : أما فقد ثبت من علمه وفضله ما لم يثبت لأحد عمر غير أبي بكر ، ففي صحيح عن مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول : " عائشة فعمر " ، قال قد كان في الأمم قبلكم محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد ابن وهب : تفسير " محدثون " : ملهمون [13] .
وروى عن البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أبي هريرة [14] كان فيما مضى قبلكم من الأمم [15] محدثون ، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه ] عمر [ بن الخطاب " إنه قد [16] وفي لفظ للبخاري [17] : " [18] فعمر لقد كان [ ص: 21 ] فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن في أمتي منهم أحد [19] .
وفي الصحيح عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ابن عمر [20] ، فشربت منه حتى أني لأرى [21] الري يخرج من أظفاري ، ثم أعطيت فضلي " . قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : " العلم عمر بن الخطاب " بينا أنا نائم إذ رأيت قدحا أتيت به [ فيه لبن ] [22] .
وفي الصحيحين عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبي سعيد وعليه قميص يجره " . قالوا : ما أولت ذلك يا رسول الله ؟ قال : " الدين عمر بن الخطاب " بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص ، منها ما يبلغ الثدي ، ومنها ما يبلغ دون ذلك ، ومر [23]
[ ص: 22 ] وفي الصحيحين عن قال : قال ابن عمر : " وافقت ربي في ثلاث عمر [24] : في مقام إبراهيم ، وفي الحجاب ، وفي أسارى بدر " . [25] . عن وللبخاري قال : أنس : " وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث عمر . قلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من قال مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) [ سورة البقرة : 125 ] [26] وقلت : يا رسول الله ، يدخل عليك البر والفاجر ، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله آية الحجاب ، وبلغني معاتبة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض أزواجه ، فدخلت عليهم ، فقلت : إن انتهيتن ، أو ليبدلن الله رسوله خيرا منكن ، حتى أتت [27] إحدى نسائه فقالت : يا ، أما في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ؟ فأنزل الله : ( عمر عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن الآية [ سورة التحريم : 5 ] [28] .
[ ص: 23 ] وأما قصة الكتاب الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد أن يكتبه ، فقد جاء مبينا ، كما في الصحيحين عن - رضي الله عنها - قالت : عائشة أبا بكر " سبق الحديث فيما مضى 1 \ 492 ، 511 . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه : " ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا ، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل : أنا أولى ، ويأبى الله والمؤمنون إلا
وفي [ صحيح ] البخاري [29] عن ، قال : القاسم بن محمد : وا رأساه . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو كان وأنا حي عائشة [30] فأستغفر لك وأدعو لك " . قالت : وا ثكلاه ، والله إني لأظنك تحب موتي ، فلو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بل أنا وا رأساه . لقد همت أن عائشة [31] أرسل إلى وابنه وأعهد أبي بكر [32] : أن يقول القائلون أو يتمنى المتمنون ، ويدفع الله ويأبى المؤمنون " قالت [33] .
وفي صحيح مسلم [34] عن [ ابن ] [35] أبي مليكة ، قال : سمعت ، [ ص: 24 ] وسئلت : من كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخلفا لو استخلف ؟ قالت : عائشة ، فقيل لها : ثم من بعد أبو بكر ؟ قالت : أبي بكر . قيل لها : ثم من بعد عمر ؟ قالت : عمر [36] بن الجراح ، ثم انتهت إلى هذا أبو عبيدة عامر
[37] وأما عمر فاشتبه عليه هل كان قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من شدة المرض ، أو كان من أقواله المعروفة ؟ ، ولهذا قال : " ما له ؟ أهجر والمرض جائز على الأنبياء [38] ؟ " فشك في ذلك ولم يجزم بأنه هجر ، والشك جائز على ، فإنه لا معصوم إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - لا سيما وقد شك عمر [39] بشبهة ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مريضا ، فلم يدر أكلامه [40] كان من وهج المرض ، كما يعرض للمريض ، أو كان من كلامه المعروف الذي يجب قبوله ؟ وكذلك [41] . ظن أنه لم يمت حتى تبين أنه قد مات [42] .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد عزم على [43] أن يكتب الكتاب الذي [ ص: 25 ] ذكره ، فلما رأى أن الشك قد وقع ، علم أن الكتاب لا يرفع الشك ، فلم يبق فيه فائدة ، وعلم أن الله يجمعهم على ما عزم عليه ، كما قال : " لعائشة أبا بكر " . ويأبى الله والمؤمنون إلا
وقول : " إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أن يكتب الكتاب " ابن عباس [44] يقتضي أن هذا الحائل كان رزية ، وهو رزية في حق من شك [45] . في خلافة الصديق ، أو اشتبه [46] عليه الأمر ؛ فإنه لو كان هناك كتاب لزال هذا الشك ، فأما من علم أن خلافته حق فلا رزية في حقه ، ولله الحمد .
ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق [ عامة الناس ] [47] علماء السنة والشيعة ، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل وتقديمه . وأما أبي بكر الشيعة [48] القائلون بأن كان هو المستحق للإمامة ، فيقولون : إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصا جليا ظاهرا معروفا ، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب . عليا
[ ص: 26 ] وإن قيل : إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور ، فلأن تكتم [49] كتابا حضره طائفة قليلة أولى وأحرى .
وأيضا فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته ، ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك ، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته ، لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبينه ويكتبه ، ولا يلتفت إلى قول أحد ، فإنه أطوع الخلق له ، فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجبا ، ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ ، إذ لو وجب لفعله ، ولو أن - رضي الله عنه - اشتبه عليه أمر ، ثم تبين له أو شك في بعض الأمور ، فليس هو أعظم ممن يفتي ويقضي بأمور ويكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حكم بخلافها ، مجتهدا في ذلك ، ولا يكون قد علم حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإن الشك في الحق أخف من الجزم بنقيضه . عمر
وكل هذا [ إذا كان ] [50] باجتهاد سائغ كان غايته أن يكون من الخطأ الذي رفع الله المؤاخذة به ، كما قضى علي في الحامل المتوفى عنها زوجها أنها تعتد أبعد الأجلين ، مع ما ثبت في الصحاح أبا السنابل بن بعكك أفتى بذلك لسبيعة [51] الأسلمية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كذب [ ص: 27 ] أبو السنابل ، [ بل حللت ] عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما قيل له : إن [52] فانكحي من شئت " [53] . فقد كذب النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الذي أفتى بهذا ، وأبو السنابل لم يكن من أهل الاجتهاد ، وما كان له أن يفتي بهذا مع حضور النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما علي - رضي الله عنهما - وإن كانا أفتيا بذلك ، [ لكن ] وابن عباس [54] كان ذلك عن اجتهاد ، وكان ذلك بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن بلغهما قصة سبيعة .
وهكذا سائر ، ولم تبلغهم السنة ، كانوا مثابين على اجتهادهم ، مطيعين لله ورسوله فيما فعلوه من الاجتهاد بحسب استطاعتهم ، ولهم أجر على ذلك أهل الاجتهاد من الصحابة - رضي الله عنهم ، إذا اجتهدوا فأفتوا وقضوا وحكموا بأمر ، والسنة بخلافه [55] ، ومن اجتهد منهم وأصاب فله أجران .
والناس متنازعون : ؟ أم المصيب واحد ؟ وفصل الخطاب أنه [ إن ] هل يقال : كل مجتهد مصيب [56] أريد بالمصيب المطيع لله ورسوله ؛ فكل مجتهد اتقى الله ما استطاع فهو مطيع لله ورسوله ، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وهذا عاجز عن معرفة الحق في نفس الأمر ، فسقط [ عنه ] [57] .
[ ص: 28 ] وإن عني بالمصيب العالم بحكم الله في نفس الأمر ، فالمصيب ليس إلا واحدا ، فإن الحق في نفس الأمر واحد .
وهذا كالمجتهدين في القبلة ، إذا أفضى اجتهاد كل واحد منهم إلى جهة ، فكل منهم مطيع لله ورسوله ، والفرض ساقط عنه بصلاته إلى الجهة التي اعتقد أنها الكعبة ، ولكن العالم بالكعبة المصلي إليها في نفس الأمر واحد ، وهذا قد فضله الله بالعلم والقدرة على معرفة الصواب والعمل به ، فأجره أعظم ، كما أن " " رواه المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير في صحيحه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلم [58]
وكذلك قضى - رضي الله عنه - في المفوضة بأن مهرها يسقط بالموت ، مع قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في علي بروع بنت واشق بأن لها مهر نسائها [59] . وكذلك طلبه نكاح بنت أبي جهل حتى غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرجع عن ذلك [60] [ النبي - صلى الله عليه وسلم - ] وفاطمة [61] إلى الصلاة بالليل ، فاحتج بالقدر لما قال : " ألا تصليان ؟ " [62] فقال [ ص: 29 ] علي : إنما أنفسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا ، فولى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يضرب فخذه ويقول : " وكان الإنسان أكثر شيء جدلا " وقوله لما ندبه [63]
وأمثال هذا إذا [64] لم يقدح في علي لكونه كان مجتهدا ، ثم رجع إلى ما تبين له من الحق ، فكذلك لا يقدح فيه ما قاله باجتهاده ، مع رجوعه إلى ما تبين له من الحق . عمر
والأمور التي كان ينبغي أن يرجع عنها لعلي [65] أعظم بكثير من الأمور التي كان ينبغي أن يرجع عنها لعمر [66] ، مع أن قد رجع عن عامة تلك الأمور ، عمر عرف رجوعه عن بعضها فقط ، كرجوعه عن خطبة بنت وعلي أبي جهل ، وأما بعضها : كفتياه بأن المتوفى عنها الحامل تعتد أبعد الأجلين ، وأن المفوضة لا مهر لها إذا مات الزوج ، وقوله : [ إن المخيرة ] [67] إذا اختارت زوجها فهي واحدة [68] ، مع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير نساءه ، ولم يكن ذلك طلاقا .
فهذه لم يعرف إلا بقاؤه عليها حتى مات ، وكذلك مسائل كثيرة ذكرها في كتاب " اختلاف الشافعي علي وعبد الله " [69] وذكرها محمد بن نصر [ ص: 30 ] المروزي في كتاب " رفع اليدين في الصلاة " [70] وأكثرها موجودة في الكتب التي يذكر فيها أقوال الصحابة ، إما بإسناد ، وإما بغير إسناد ، مثل مصنف عبد الرزاق ، وسنن ، ومصنف سعيد بن منصور ، ومصنف وكيع ، وسنن أبي بكر بن أبي شيبة ، ومسائل الأثرم حرب ، ، وعبد الله بن أحمد وصالح ، وأمثالهم مثل كتاب ابن المنذر ، ، وابن جرير الطبري ، والطحاوي ومحمد بن نصر [71] ، ، وغير هؤلاء . وابن حزم