الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        3455 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا سليمان عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم [ ص: 20 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 20 ] قوله : ( باب فضل أبي بكر - بعد النبي ، صلى الله عليه وسلم ) أي في رتبة الفضل ، وليس المراد البعدية الزمانية فإن فضل أبي بكر كان ثابتا في حياته - صلى الله عليه وسلم - كما دل عليه حديث الباب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا سليمان ) هو ابن بلال ، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري ، والإسناد كله مدنيون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ) أي نقول : فلان خير من فلان إلخ ، وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع الآتية في مناقب عثمان " كنا لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ، ثم نترك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نفاضل بينهم " وقوله : " لا نعدل بأبي بكر " أي لا نجعل له مثلا ، وقوله : " ثم نترك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يأتي الكلام فيه ولأبي داود من طريق سالم عن ابن عمر " كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي : أفضل أمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان " زاد الطبراني في رواية " فيسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك فلا ينكره " وروى خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن ابن عمر " كنا نقول : " إذا ذهب أبو بكر وعمر وعثمان استوى الناس ، فيسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك فلا ينكره " وهكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن أبي أويس عن سليمان بن بلال في حديث الباب دون آخره . وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر ، كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة ، وذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان ، وممن قال به سفيان الثوري ويقال إنه رجع عنه ، وقال به ابن خزيمة ، وطائفة قبله وبعده ، وقيل لا يفضل أحدهما على الآخر قاله مالك في " المدونة " وتبعه جماعة منهم يحيى القطان ، ومن المتأخرين ابن حزم ، وحديث الباب حجة للجمهور ، وقد طعن فيه ابن عبد البر واستند إلى ما حكاه عن هارون بن إسحاق قال : سمعت ابن معين يقول : من قال : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقيته وفضله فهو صاحب سنة ، قال فذكرت له من يقول أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ ، وتعقب بأن ابن معين أنكر رأي قوم وهم العثمانية الذين يغالون في حب عثمان وينتقصون عليا ، ولا شك في أن من اقتصر على ذلك ولم يعرف لعلي بن أبي طالب فضله فهو مذموم ، وادعى ابن عبد البر أيضا أن هذا الحديث خلاف قول أهل السنة أن عليا أفضل الناس بعد الثلاثة ، فإنهم أجمعوا على أن عليا أفضل الخلق بعد الثلاثة ، ودل هذا الإجماع على أن حديث ابن عمر غلط وإن كان السند إليه صحيحا ، وتعقب أيضا بأنه لا يلزم من سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله عدم تفضيله على الدوام ، [ ص: 21 ] وبأن الإجماع المذكور إنما حدث بعد الزمن الذي قيده ابن عمر فيخرج حديثه عن أن يكون غلطا ، والذي أظن أن ابن عبد البر إنما أنكر الزيادة التي وقعت في رواية عبيد الله بن عمر وهي قول ابن عمر " ثم نترك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلخ " لكن لم ينفرد بها نافع ، فقد تابعه ابن الماجشون أخرجه خيثمة من طريق يوسف بن الماجشون عن أبيه عن ابن عمر " كنا نقول في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو بكر وعمر وعثمان ، ثم ندع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نفاضل بينهم " .

                                                                                                                                                                                                        ومع ذلك فلا يلزم من تركهم التفاضل إذ ذاك أن لا يكونوا اعتقدوا بعد ذلك تفضيل علي على من سواه والله أعلم . وقد اعترف ابن عمر بتقديم علي على غيره كما تقدم في حديثه الذي أوردته في الباب الذي قبله ، وقد جاء في بعض الطرق في حديث ابن عمر تقييد الخيرية المذكورة والأفضلية بما يتعلق بالخلافة ، وذلك فيما أخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن يسار عن سالم عن ابن عمر قال : " إنكم لتعلمون أنا كنا نقول على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو بكر وعمر وعثمان يعني في الخلافة " كذا في أصل الحديث . ومن طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر " كنا نقول في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من يكون أولى الناس بهذا الأمر ؟ فنقول : أبو بكر ثم عمر " .

                                                                                                                                                                                                        وذهب قوم إلى أن أفضل الصحابة من استشهد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعين بعضهم منهم جعفر بن أبي طالب . ومنهم من ذهب إلى العباس وهو قول مرغوب عنه ليس قائله من أهل السنة بل ولا من أهل الإيمان ، ومنهم من قال : أفضلهم مطلقا عمر متمسكا بالحديث الآتي في ترجمته في المنام الذي فيه في حق أبي بكر وفي نزعه ضعف وهو تمسك واه . ونقل البيهقي في " الاعتقاد " بسنده إلى أبي ثور عن الشافعي أنه قال : أجمع الصحابة وأتباعهم على أفضلية أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية