الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أم حبيبة أم المؤمنين ( ع )

                                                                                      السيدة المحجبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن [ ص: 219 ] عبد شمس بن عبد مناف بن قصي .

                                                                                      مسندها خمسة وستون حديثا . واتفق لها البخاري ومسلم على حديثين ، وتفرد مسلم بحديثين .

                                                                                      وهي من بنات عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، ليس في أزواجه من هي أقرب نسبا إليه منها ، ولا في نسائه من هي أكثر صداقا منها ، ولا من تزوج بها وهي نائية الدار أبعد منها .

                                                                                      عقد له صلى الله عليه وسلم عليها بالحبشة ، وأصدقها عنه صاحب الحبشة أربع مائة دينار ، وجهزها بأشياء .

                                                                                      روت عدة أحاديث .

                                                                                      حدث عنها ، أخواها : الخليفة معاوية ، وعنبسة ، وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان ، وعروة بن الزبير ، وأبو صالح السمان ، وصفية بنت شيبة ، وزينب بنت أبي سلمة ، وشتير بن شكل ، وأبو المليح عامر الهذلي . وآخرون . [ ص: 220 ] وقدمت دمشق زائرة أخاها .

                                                                                      ويقال : قبرها بدمشق . وهذا لا شيء ، بل قبرها بالمدينة . وإنما التي بمقبرة باب الصغير : أم سلمة أسماء بنت يزيد الأنصارية .

                                                                                      قال ابن سعد : ولد أبو سفيان : حنظلة ، المقتول يوم بدر ؛ وأم حبيبة ، توفي عنها زوجها الذي هاجر بها إلى الحبشة : عبيد الله بن جحش بن رياب الأسدي ، مرتدا متنصرا .

                                                                                      عقد عليها للنبي صلى الله عليه وسلم بالحبشة سنة ست ، وكان الولي عثمان بن عفان . كذا قال .

                                                                                      وعن عثمان الأخنسي : أن أم حبيبة ولدت حبيبة بمكة ، قبل هجرة الحبشة .

                                                                                      وعن أبي جعفر الباقر : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية إلى النجاشي يخطب عليه أم حبيبة ، فأصدقها من عنده أربعمائة دينار .

                                                                                      وعن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وآخر ، قالا : كان الذي زوجها ، وخطب إليه النجاشي : خالد بن سعيد بن العاص بن أمية ، فكان لها يوم قدم بها المدينة بضع وثلاثون سنة .

                                                                                      معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن أم حبيبة : أنها كانت تحت عبيد [ ص: 221 ] الله ، وأن رسول الله تزوجها بالحبشة ، زوجها إياه النجاشي ، ومهرها أربعة آلاف درهم ؛ وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ، وجهازها كله من عند النجاشي .

                                                                                      ابن لهيعة ، عن الأسود ، عن عروة ، قال : أنكحه إياها بالحبشة عثمان .

                                                                                      ابن سعد : أخبرنا الواقدي : أخبرنا عبد الله بن عمرو بن زهير ، عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد ، قال : قالت أم حبيبة : رأيت في النوم عبيد الله زوجي بأسوأ صورة وأشوهها ؛ ففزعت وقلت : تغيرت والله حاله ! فإذا هو يقول حيث أصبح : إني نظرت في الدين ، فلم أر دينا خيرا من النصرانية ، وكنت قد دنت بها ، ثم دخلت في دين محمد ، وقد رجعت ، فأخبرته بالرؤيا ، فلم يحفل بها ؛ وأكب على الخمر ، قالت : فأريت قائلا يقول : يا أم المؤمنين ، ففزعت ؛ فأولتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني . وذكرت القصة بطولها ، وهي منكرة . حسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قال : نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة .

                                                                                      إسناده صالح ، وسياق الآيات دال عليه . [ ص: 222 ]

                                                                                      وقيل : إن أم حبيبة لما جاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤكد عقد الهدنة ، دخل عليها ، فمنعته أن يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لمكان الشرك .

                                                                                      وأما ما ورد من طلب أبي سفيان من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه بأم حبيبة ، فما صح . ولكن الحديث في مسلم . وحمله الشارحون على التماس تجديد العقد .

                                                                                      وقيل : بل طلب منه أن يزوجه بابنته الأخرى ، واسمها عزة فوهم راوي الحديث ، وقال : أم حبيبة .

                                                                                      وقد كان لأم حبيبة حرمة وجلالة ، ولا سيما في دولة أخيها ؛ ولمكانه منها قيل له : خال المؤمنين .

                                                                                      قال الواقدي ، وأبو عبيد ، والفسوي : ماتت أم حبيبة سنة أربع وأربعين وقال المفضل الغلابي : سنة اثنتين وأربعين .

                                                                                      وشذ أحمد بن زهير ، فقال : توفيت قبل معاوية بسنة .

                                                                                      الواقدي : أخبرنا عبد الله بن جعفر ، عن عبد الواحد بن أبي عون ، قال : لما بلغ أبا سفيان نكاح النبي صلى الله عليه وسلم ابنته ، قال : ذاك الفحل ، لا يقرع أنفه . [ ص: 223 ]

                                                                                      الواقدي : حدثنا محمد بن عبد الله ، عن الزهري ، قال : لما قدم أبو سفيان المدينة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد غزو مكة ، فكلمه في أن يزيد في الهدنة ، فلم يقبل عليه ، فقام فدخل على ابنته أم حبيبة ، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ، طوته دونه ، فقال : يا بنية ، أرغبت بهذا الفراش عني ، أم بي عنه ؟ قالت : بل هو فراش رسول الله ، وأنت امرؤ نجس مشرك ، فقال : يا بنية ، لقد أصابك بعدي شر .

                                                                                      قال عطاء : أخبرني ابن شوال : أن أم حبيبة أخبرته : أن رسول الله أمرها أن تنفر من جمع بليل .

                                                                                      الواقدي : حدثني أبو بكر بن أبي سبرة ، عن عبد المجيد بن سهيل ، عن عوف بن الحارث : سمعت عائشة تقول : دعتني أم حبيبة عند موتها ، فقالت : قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر ، فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك ، فقلت : غفر الله لك ذلك كله وحللك من ذلك ، فقالت : سررتني سرك الله ، وأرسلت إلى أم سلمة ، فقالت لها مثل ذلك .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية