الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن أبي ليلى ( 4 )

                                                                                      محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى . العلامة ، الإمام ، مفتي الكوفة وقاضيها أبو عبد الرحمن الأنصاري ، الكوفي .

                                                                                      ولد سنة نيف وسبعين ومات أبوه وهذا صبي لم يأخذ عن أبيه شيئا . بل أخذ عن أخيه عيسى ، عن أبيه ، وأخذ عن الشعبي ، ونافع العمري ، وعطاء بن أبي رباح ، والقاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، والمنهال بن عمرو ، وعمرو بن مرة ، وأبي الزبير المكي ، وعطية العوفي ، والحكم بن [ ص: 311 ] عتيبة ، وحميضة بن الشمردل ، وإسماعيل بن أمية ، وثابت بن عبيد ، وأجلح بن عبد الله ، وعبد الله بن عطاء ، ومحمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، وداود بن علي الأمير ، وابن أخيه عبد الله بن عيسى ، وغيرهم .

                                                                                      حدث عنه : شعبة ، وسفيان بن عيينة ، وزائدة ، والثوري ، وقيس بن الربيع ، وحمزة الزيات وقرأ عليه .

                                                                                      كان يحفظ كتاب الله ، تلا على أخيه عيسى . وعرض على الشعبي تلاوته على علقمة ، وتلا أيضا على المنهال عن سعيد بن جبير . روى عنه أيضا أحوص بن جواب ، وعلي بن هاشم بن البريد ، ويحيى بن أبي زائدة ، وعمرو بن أبي قيس الرازي ، وعقبة بن خالد ، وعبد الله بن داود الخريبي ، وعلي بن مسهر ، وعيسى بن يونس ، ومحمد بن ربيعة ، وعبيد الله بن موسى ، وأبو نعيم ، ووكيع ، وعيسى بن المختار بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وخلق سواهم .

                                                                                      وكان نظيرا للإمام أبي حنيفة في الفقه .

                                                                                      قال أحمد : كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبي ليلى . قال أحمد : كان سيئ الحفظ ، مضطرب الحديث ، وكان فقهه أحب إلينا من حديثه . وقال أيضا : هو في عطاء أكثر خطأ . وروى أحمد بن زهير ، عن يحيى بن معين قال : ليس بذاك .

                                                                                      أبو داود : سمعت شعبة يقول : ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبي ليلى .

                                                                                      روح بن عبادة ، عن شعبة قال : أفادني ابن أبي ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة . وروى أبو إسحاق الجوزجاني ، عن أحمد بن يونس قال : كان زائدة لا يروي عن ابن أبي ليلى . كان قد ترك حديثه . وروى أبو حاتم عن أحمد بن يونس قال : ذكر زائدة ابن أبي ليلى فقال : كان أفقه أهل الدنيا . وروى ابن [ ص: 312 ] حميد عن جرير بن عبد الحميد : رأيت ابن أبي ليلى يخضب بالسواد .

                                                                                      قال العجلي : كان فقيها صاحب سنة ، صدوقا ، جائز الحديث . وكان قارئا للقرآن ، عالما به . قرأ عليه حمزة الزيات فكان يقول : إنا تعلمنا جودة القراءة عند ابن أبي ليلى . وكان من أحسب الناس ، ومن أنقط الناس للمصحف ، وأخطه بقلم . وكان جميلا نبيلا . وأول من استقضاه على الكوفة الأمير يوسف بن عمر الثقفي ، عامل بني أمية فكان يرزقه في كل شهر مائة درهم .

                                                                                      قال أبو زرعة : هو صالح ، ليس بأقوى ما يكون . وقال أبو حاتم : محله الصدق ، وكان سيئ الحفظ ، شغل بالقضاء ، فساء حفظه ، لا يتهم ، إنما ينكر عليه كثرة الخطأ ، يكتب حديثه ، ولا يحتج به ، هو وحجاح بن أرطاة ما أقربهما . وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال الدارقطني : رديء الحفظ ، كثير الوهم . وقال أبو أحمد الحاكم : عامة أحاديثه مقلوبة .

                                                                                      ابن خراش : حدثنا إسحاق بن إبراهيم شاذان ، عن سعد بن الصلت ، قال : كان ابن أبي ليلى لا يجيز قول من لا يشرب النبيذ . قلت : هذا غلو ، [ ص: 313 ] وعكسه أولى . وقال بشر بن الوليد : سمعت القاضي أبا يوسف يقول : ما ولي القضاء أحد أفقه في دين الله ، ولا أقرأ لكتاب الله ، ولا أقول حقا بالله ، ولا أعف عن الأموال من ابن أبي ليلى .

                                                                                      قلت : فابن شبرمة قال : ذاك رجل مكثار .

                                                                                      قال بشر : وولي حفص بن غياث القضاء من غير مشورة أبي يوسف . فاشتد عليه . فقال لي ، ولحسن اللؤلؤي : تتبعا قضاياه ، فتتبعنا قضاياه ، فلما نظر فيها قال : هذا من قضاء ابن أبي ليلى ، ثم قال : تتبعوا الشروط والسجلات . ففعلنا . فلما نظر فيها قال : حفص ونظراؤه يعانون بقيام الليل .

                                                                                      [ ص: 314 ] يحيى بن معين : حدثنا أبو حفص الأبار ، عن ابن أبي ليلى قال : دخلت على عطاء ، فجعل يسألني ، فكأن أصحابه أنكروا ، وقالوا : تسأله ؟ ! قال : وما تنكرون ؟ هو أعلم مني . قال ابن أبي ليلى : وكان عطاء عالما بالحج .

                                                                                      روى الخريبي ، عن سليمان بن سافري قال : سألت منصورا : من أفقه أهل الكوفة ؟ قال : قاضيها ابن أبي ليلى .

                                                                                      وقال ابن حبان : كان ابن أبي ليلى رديء الحفظ ، فاحش الخطأ ، فكثر في حديثه المناكير ، فاستحق الترك ، تركه أحمد ويحيى .

                                                                                      قلت : لم نرهما تركاه ، بل لينا حديثه . وقد قال حفص بن غياث : من جلالة ابن أبي ليلى أنه قرأ القرآن على عشرة شيوخ .

                                                                                      وقال يحيى بن يعلى المحاربي : طرح زائدة حديث ابن أبي ليلى . وقال أحمد بن يونس : كان ابن أبي ليلى أفقه أهل الدنيا .

                                                                                      وقال عائذ بن حبيب : سمعت ابن أبي ليلى يقول : ما أقرع فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو حق ، وما لم يقرع فيه ، فهو قمار .

                                                                                      قال الخريبي : سمعت الثوري يقول : فقهاؤنا : ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة .

                                                                                      أخبرنا محمد بن عبد السلام التيمي ، أنبأنا عبد المعز بن محمد البزار ، أنبأنا زاهر بن طاهر ، أنبأنا عبد الرحمن بن علي ، أنبأنا يحيى بن إسماعيل الحربي ، أنبأنا مكي بن عبدان ، أنبأنا إسحاق بن عبد الله بن رزين ، حدثنا حفص بن عبد الرحمن ، حدثنا ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن الربيع بن عميلة ، عن أبي سريحة الغفاري قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : عشر آيات بين يدي الساعة : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، والدابة ، والدخان ، والدجال ، وابن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وريح تسفيهم ، [ ص: 315 ] تطرحهم في البحر ، وطلوع الشمس من مغربها هذا غريب . وأصل الحديث في صحيح مسلم من رواية أبي الطفيل ، عن أبي سريحة .

                                                                                      أبو حفص الأبار ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن جابر قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي قلت : نذير قوم أهلكوا ، أو صبحهم العذاب بكرة . فإذا سري عنه فأطيب الناس نفسا ، وأطلقهم وجها ، وأكثرهم ضحكا . أو قال : تبسما هذا حديث منكر .

                                                                                      ابن حبان قال : وروى ابن أبي ليلى ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عبد الله بن زيد المازني قال : كان أذان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شفعا شفعا ، وإقامته شفعا شفعا رواه حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عنه . ثم قال ابن حبان وهذا خبر مرسل لا أصل لرفعه .

                                                                                      أحمد بن أبي ظبية ، حدثنا أبي عن ابن أبي ليلى ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، مرفوعا ، : إذا ضحك الرجل في صلاته فعليه الوضوء والصلاة ، وإذا تبسم فلا شيء عليه .

                                                                                      قال البخاري وغيره : مات ابن أبي ليلى في سنة ثمان وأربعين ومائة . قلت : مات في شهر رمضان .

                                                                                      أخبرنا عمر بن عبد المنعم ، أنبأنا أبو القاسم الحرستاني حضورا ، أنبأنا ابن [ ص: 316 ] المسلم ، أنبأنا ابن طلاب ، حدثنا ابن جميع ، أنبأنا الحسن بن عيسى الرقي بعرفة ، حدثنا يوسف بن بحر ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، قال : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي تطوعا فسمعته يقول : اللهم إني أعوذ بك من النار .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية