الإمام العلامة ، حافظ المغرب ، شيخ الإسلام أبو عمر ، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي ، القرطبي ، المالكي ، صاحب التصانيف الفائقة . [ ص: 154 ]
مولده في سنة ثمان وستين وثلاثمائة في شهر ربيع الآخر . وقيل : في جمادى الأولى . فاختلفت الروايات في الشهر عنه .
وطلب العلم بعد التسعين وثلاثمائة ، وأدرك الكبار ، وطال عمره وعلا سنده ، وتكاثر عليه الطلبة ، وجمع وصنف ، ووثق وضعف ، وسارت بتصانيفه الركبان ، وخضع لعلمه علماء الزمان ، وفاته السماع من أبيه الإمام أبي محمد فإنه مات قديما في سنة ثمانين وثلاثمائة فكان فقيها عابدا متهجدا ، عاش خمسين سنة ، وكان قد تفقه على التجيبي وسمع من أحمد بن مطرف ، وأبي عمر بن حزم المؤرخ .
نعم ، وابنه صاحب الترجمة أبو عمر سمع من : أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن سنن أبي داود ، بروايته عن وحدثه أيضا عن ابن داسة ، وحدثه ب " الناسخ والمنسوخ " إسماعيل بن محمد الصفار ، عن لأبي داود أبي بكر النجاد ، وناوله مسند بروايته عن أحمد بن حنبل القطيعي ، نعم ، وسمع من المعمر محمد بن عبد الملك بن ضيفون أحاديث الزعفراني بسماعه من ابن الأعرابي عنه ، وقرأ عليه تفسير محمد بن سنجر في مجلدات ، وقرأ على أبي القاسم عبد الوارث [ ص: 155 ] بن سفيان " موطأ " ابن وهب بروايته عن ، عن قاسم بن أصبغ ابن وضاح ، عن سحنون ، وغيره ، عنه . وسمع من سعيد بن نصر - مولى الناصر لدين الله - " الموطأ " وأحاديث ; يرويها عن وكيع ، عن قاسم بن أصبغ القصار ، عنه . وسمع منه في سنة تسعين وثلاثمائة كتاب " المشكل " لابن قتيبة ، وقرأ عليه " مسند " وأشياء . وسمع من الحميدي أبي عمر أحمد بن محمد بن أحمد بن الجسور " المدونة " . وسمع من خلف بن القاسم بن سهل الحافظ تصنيف ، وسمع من عبد الله بن عبد الحكم الحسين بن يعقوب البجاني . وقرأ على عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الوهراني " موطأ " ابن القاسم ، وقرأ على أبي عمر الطلمنكي أشياء ، وقرأ على الحافظ أبي الوليد بن الفرضي مسند مالك ، وسمع من يحيى بن عبد الرحمن بن وجه الجنة ، ومحمد بن رشيق المكتب وأبي المطرف عبد الرحمن بن مروان القنازعي ، وأحمد بن فتح بن الرسان ، وأبي عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن الباجي ، وأبي عمر أحمد بن عبد الملك بن المكوي ، وأحمد بن القاسم التاهرتي ، وعبد الله بن محمد بن أسد الجهني ، وأبي حفص عمر بن حسين بن نابل ، ومحمد بن خليفة الإمام ، وعدة .
حدث عنه : أبو محمد بن حزم ، وأبو العباس بن دلهاث الدلائي ، وأبو محمد بن أبي قحافة ، وأبو الحسن بن مفوز ، والحافظ أبو علي الغساني ، والحافظ أبو عبد الله الحميدي ، وأبو بحر سفيان بن العاص ، ومحمد بن فتوح الأنصاري ، وأبو داود سليمان بن أبي القاسم نجاح ، وأبو [ ص: 156 ] عمران موسى بن أبي تليد ، وطائفة سواهم . وقد أجاز له من ديار مصر أبو الفتح بن سيبخت صاحب البغوي ، وعبد الغني بن سعيد الحافظ ، وأجاز له من الحرم أبو الفتح عبيد الله السقطي ، وآخر من روى عنه بالإجازة علي بن عبد الله بن موهب الجذامي .
قال الحميدي أبو عمر فقيه حافظ مكثر ، عالم بالقراءات وبالخلاف ، وبعلوم الحديث والرجال ، قديم السماع ، يميل في الفقه إلى أقوال . الشافعي
وقال : لم يكن أحد ببلدنا في الحديث مثل أبو علي الغساني قاسم بن محمد ، وأحمد بن خالد الجباب . ثم قال أبو علي : ولم يكن بدونهما ، ولا متخلفا عنهما ، وكان من ابن عبد البر النمر بن قاسط ، طلب وتقدم ، ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الفقيه ، ولزم أبا الوليد بن الفرضي ، ودأب في طلب الحديث ، وافتن به ، وبرع براعة فاق بها من تقدمه من رجال الأندلس ، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني له بسطة كبيرة في علم النسب والأخبار ، جلا عن وطنه ، فكان في الغرب مدة ، ثم تحول إلى شرق الأندلس ، فسكن دانية ، وبلنسية ، وشاطبة وبها توفي .
وذكر غير واحد أن أبا عمر ولي قضاء أشبونة مدة . [ ص: 157 ]
قلت : كان إماما دينا ، ثقة ، متقنا ، علامة ، متبحرا ، صاحب سنة واتباع ، وكان أولا أثريا ظاهريا فيما قيل ، ثم تحول مالكيا مع ميل بين إلى فقه في مسائل ، ولا ينكر له ذلك ، فإنه ممن بلغ رتبة الأئمة المجتهدين ، ومن نظر في مصنفاته بان له منزلته من سعة العلم ، وقوة الفهم ، وسيلان الذهن ، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده ، لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنه ، ونغطي معارفه ، بل نستغفر له ، ونعتذر عنه . الشافعي
قال أبو القاسم بن بشكوال : ابن عبد البر إمام عصره ، وواحد دهره ، يكنى أبا عمر ، روى بقرطبة عن خلف بن القاسم ، وعبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، وأبي محمد بن عبد المؤمن ، وأبي محمد بن أسد ، وجماعة يطول ذكرهم . وكتب إليه من المشرق السقطي ، والحافظ عبد الغني ، وابن سيبخت ، وأحمد بن نصر الداودي ، ، وأبو ذر الهروي وأبو محمد بن النحاس .
قال أبو علي بن سكرة : سمعت أبا الوليد الباجي يقول : لم يكن بالأندلس مثل في الحديث ، وهو أحفظ أهل أبي عمر بن عبد البر المغرب .
وقال : ألف أبو علي الغساني أبو عمر في " الموطأ " كتبا مفيدة ، منها : كتاب " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " فرتبه على أسماء شيوخ مالك ، على حروف المعجم ، وهو كتاب لم يتقدمه أحد [ ص: 158 ] إلى مثله ، وهو سبعون جزءا .
قلت : هي أجزاء ضخمة جدا .
قال : لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه ؟ . ابن حزم
ثم صنع كتاب " الاستذكار لمذهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار " شرح فيه " الموطأ " على وجهه ، وجمع كتابا جليلا مفيدا وهو " الاستيعاب في أسماء الصحابة " وله كتاب " جامع بيان العلم وفضله ، وما ينبغي في روايته وحمله " وغير ذلك من تواليفه .
وكان موفقا في التأليف ، معانا عليه ، ونفع الله بتواليفه ، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه ومعاني الحديث له بسطة كبيرة في علم النسب والخبر .
وذكر جماعة أن أبا عمر ولي قضاء الأشبونة وشنترين في مدة المظفر بن الأفطس . [ ص: 159 ]
ولأبي عمر كتاب " الكافي في مذهب مالك " . خمسة عشر مجلدا ، وكتاب " الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو " ، وكتاب " التقصي في اختصار الموطأ " وكتاب " الإنباه عن قبائل الرواة " وكتاب " الانتقاء لمذاهب الثلاثة العلماء مالك وأبي حنيفة " وكتاب " البيان في تلاوة القرآن " وكتاب " الأجوبة الموعبة " وكتاب " الكنى " وكتاب " المغازي " وكتاب " القصد والأمم في نسب العرب والعجم " وكتاب " الشواهد في إثبات خبر الواحد " وكتاب " الإنصاف في أسماء الله " وكتاب " الفرائض " وكتاب " أشعار والشافعي " وعاش خمسة وتسعين عاما . أبي العتاهية
قال أبو داود المقرئ : مات أبو عمر ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر ، سنة ثلاث وستين وأربعمائة واستكمل خمسا وتسعين سنة وخمسة أيام ، رحمه الله .
قلت : كان حافظ المغرب في زمانه .
وفيها مات حافظ المشرق أبو بكر الخطيب ومسند نيسابور أبو [ ص: 160 ] حامد أحمد بن الحسن الأزهري الشروطي عن تسع وثمانين سنة ، وشاعر الأندلس الوزير أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي القرطبي ورئيس خراسان أبو علي حسان بن سعيد المخزومي المنيعي واقف الجامع المنيعي بنيسابور ، وشاعر القيروان أبو علي الحسن بن رشيق الأزدي ومسند هراة أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي ومسند بغداد أبو الغنائم محمد بن علي بن علي بن الدجاجي المحتسب ومسند مرو أبو بكر محمد بن أبي الهيثم عبد الصمد الترابي وله ست وتسعون سنة ، والمسند أبو علي محمد بن وشاح الزينبي مولاهم البغدادي .
وقيل : إن أبا عمر كان ينبسط إلى ، ويؤانسه ، وعنه أخذ أبي محمد بن حزم فن الحديث . ابن حزم
قال شيخنا أبو عبد الله بن أبي الفتح : كان أبو عمر أعلم من بالأندلس في السنن والآثار واختلاف علماء الأمصار .
قال : وكان في أول زمانه ظاهري المذهب مدة طويلة ، ثم رجع إلى القول بالقياس من غير تقليد أحد ، إلا أنه كان كثيرا ما يميل إلى مذهب . كذا قال . وإنما المعروف أنه مالكي . [ ص: 161 ] الشافعي
وقال الحميدي : أبو عمر فقيه حافظ ، مكثر ، عالم بالقراءات وبالخلاف وعلوم الحديث والرجال ، قديم السماع ، لم يخرج من الأندلس ، وكان يميل في الفقه إلى أقوال . الشافعي
قلت : وكان في أصول الديانة على مذهب السلف ، لم يدخل في علم الكلام ، بل قفا آثار مشايخه ، رحمهم الله .
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد الحافظ ، أخبرنا علي بن هبة الله الخطيب ، أخبرنا أبو القاسم الرعيني ، أخبرنا أبو الحسن بن هذيل ، أخبرنا أبو داود بن نجاح قال : أخبرنا أبو عمر بن عبد البر ، أخبرنا سعيد بن نصر ، حدثنا ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن وضاح يحيى بن يحيى ، حدثنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، أخبرني ، عن أبيه ، عن جده قال : عبادة بن الوليد بن عبادة . بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في اليسر والعسر ، والمنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول -أو نقوم- بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم
وأخبرناه عاليا بدرجات إسماعيل بن عبد الرحمن أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرنا أبو الفضل المبارك بن المبارك السمسار بقراءتي سنة 561 ، أخبرنا أبو عبد الله بن طلحة ، أخبرنا عبد الواحد بن محمد ، حدثنا الحسين بن إسماعيل ، حدثنا أحمد بن إسماعيل المدني ، حدثنا مالك . فذكره .
أخرجه عن البخاري ، عن إسماعيل بن أبي أويس مالك . [ ص: 162 ] كتب إلي القاضي أبو المجد عبد الرحمن بن عمر العقيلي ، أخبرنا عمر بن علي بن قشام الحنفي بحلب ، أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد الأشيري أخبرنا أبو الحسن بن موهب ، أخبرنا يوسف بن عبد الله الحافظ ، أخبرنا خلف بن القاسم ، حدثنا الحسن بن رشيق ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، حدثنا محمد بن عبد الأعلى . حدثنا سلمة بن رجاء ، عن الوليد بن جميل ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : تفرد به إن الله وملائكته ، وأهل السماوات والأرض ، حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت في البحر ، ليصلون على معلم الخير الوليد ، وليس بمعتمد .
أنبأنا عدة ، عن أمثالهم ، عن أبي الفتح بن البطي ، عن محمد بن أبي نصر الحافظ ، عن ، حدثنا ابن عبد البر محمد بن عبد الملك ، حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي ، حدثنا إبراهيم العبسي ، عن ، عن وكيع الأعمش قال : حدثنا أبو خالد الوالبي قال : كنا نجالس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- [ ص: 163 ] فيتناشدون الأشعار ، ويتذاكرون أيام الجاهلية .
قال ابن الأبار في " الأربعين " له : وفي " التمهيد " يقول مؤلفه :
سمير فؤادي مذ ثلاثون حجة وصيقل ذهني والمفرج عن همي بسطت لكم فيه كلام نبيكم
بما في معانيه من الفقه والعلم وفيه من الآثار ما يقتدى به
إلى البر والتقوى وينهى عن الظلم