[ ص: 255 ] الطبقة الخامسة من التابعين 
جعفر بن محمد ( ع ) 
ابن علي بن الشهيد أبي عبد الله ، ريحانة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسبطه ومحبوبه الحسين بن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب بن عبد مناف بن شيبة ، وهو عبد المطلب بن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي ، الإمام الصادق شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي ، الهاشمي ، العلوي ، النبوي ، المدني ، أحد الأعلام . 
وأمه هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي ،  وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ،  ولهذا كان يقول : ولدني أبو بكر الصديق  مرتين . 
وكان يغضب من الرافضة ،  ويمقتهم إذا علم أنهم يتعرضون لجده أبي بكر  ظاهرا وباطنا . هذا لا ريب فيه ، ولكن الرافضة  قوم جهلة ، قد هوى بهم الهوى في الهاوية فبعدا لهم ، ولد سنة ثمانين ورأى بعض الصحابة أحسبه رأى أنس بن مالك ،   وسهل بن سعد   . 
حدث عن أبيه  أبي جعفر الباقر  وعبيد الله بن أبي رافع ،   وعروة بن الزبير ،   وعطاء بن أبي رباح  وروايته عنه في مسلم   . وجده  القاسم بن محمد ،  ونافع العمري ،   ومحمد بن المنكدر ،   والزهري ،  ومسلم بن أبي مريم  وغيرهم ، وليس هو بالمكثر إلا عن أبيه . وكانا من جلة علماء المدينة   . 
 [ ص: 256 ] حدث عنه ابنه  موسى الكاظم ،  ويحيى بن سعيد الأنصاري ،  ويزيد بن عبد الله بن الهاد  وهما أكبر منه ،  وأبو حنيفة ،   وأبان بن تغلب ،   وابن جريج ،  ومعاوية بن عمار الدهني ،   وابن إسحاق  في طائفة من أقرانه ، وسفيان ،  وشعبة ،   ومالك ،   وإسماعيل بن جعفر ،  ووهب بن خالد ،   وحاتم بن إسماعيل ،   وسليمان بن بلال ،   وسفيان بن عيينة ،   والحسن بن صالح ،  والحسن بن عياش  أخو أبي بكر ،  وزهير بن محمد ،  وجعفر بن غياث ،  وزيد بن حسن الأنماطي ،  وسعيد بن سفيان الأسلمي ،  وعبد الله بن ميمون ،  وعبد العزيز بن عمران الزهري ،  وعبد العزيز الدراوردي ،   وعبد الوهاب الثقفي ،  وعثمان بن فرقد ،  ومحمد بن ثابت البناني ،  ومحمد بن ميمون الزعفراني ،  ومسلم الزنجي ،   ويحيى القطان ،   وأبو عاصم النبيل ،  وآخرون . 
قال مصعب بن عبد الله   : سمعت الدراوردي  يقول : لم يرو مالك  عن جعفر  حتى ظهر أمر بني العباس   . 
قال مصعب   : كان مالك  يضمه إلى آخر . وقال علي  عن يحيى بن سعيد ،  قال : أملى علي  جعفر بن محمد  الحديث الطويل ، يعني في الحج ثم قال : وفي نفسي منه شيء مجالد  أحب إلي منه . 
قلت : هذه من زلقات  يحيى القطان   . بل أجمع أئمة هذا الشأن على أن جعفرا  أوثق من مجالد   . ولم يلتفتوا إلى قول يحيى   . وقال إسحاق بن حكيم   : قال  يحيى القطان   : جعفر  ما كان كذوبا . وقال إسحاق ابن راهويه ،  قلت  للشافعي  في  [ ص: 257 ] مناظرة جرت : كيف  جعفر بن محمد  عندك ؟ قال : ثقة . وروى عباس  عن  يحيى بن معين   :  جعفر بن محمد  ثقة مأمون . وروى أحمد بن زهير ،  والدارمي ،  وأحمد بن أبي مريم ،  عن يحيى   : ثقة . وزاد ابن أبي مريم  عن يحيى   : كنت لا أسأل يحيى بن سعيد  عن حديثه . فقال : لم لا تسألني عن حديث جعفر ؟  قلت : لا أريده . فقال : إن كان يحفظ ، فحديث أبيه المسند ، يعني حديث جابر  في الحج . ثم قال  يحيى بن معين   : وخرج  حفص بن غياث  إلى عبادان وهو موضع رباط ، فاجتمع إليه البصريون ، فقالوا : لا تحدثنا عن ثلاثة ; أشعث بن عبد الملك ،   وعمرو بن عبيد ،  وجعفر بن محمد   . فقال : أما أشعث  فهو لكم ، وأما عمرو  فأنتم أعلم به ، وأما جعفر  فلو كنتم بالكوفة  لأخذتكم النعال المطرقة . 
قال ابن أبي حاتم   : سمعت أبا زرعة ،  وسئل عن  جعفر بن محمد ،  عن أبيه ، وسهيل  عن أبيه ، والعلاء  عن أبيه ، أيها أصح ؟ قال : لا يقرن جعفر  إلى هؤلاء . وسمعت أبا حاتم  يقول : جعفر  لا يسأل عن مثله . 
قلت : جعفر  ثقة صدوق . ما هو في الثبت كشعبة ،  وهو أوثق من سهيل   وابن إسحاق   . وهو في وزن ابن أبي ذئب  ونحوه . وغالب رواياته عن أبيه مراسيل . 
قال  أبو أحمد بن عدي   : له حديث كثير عن أبيه ، عن جابر  وعن آبائه ، ونسخ لأهل البيت . وقد حدث عنه الأئمة . وهو من ثقات الناس كما قال ابن معين   . 
وعن عمرو بن أبي المقدام  قال : كنت إذا نظرت إلى  جعفر بن محمد  علمت أنه من سلالة النبيين . قد رأيته واقفا عند الجمرة يقول : سلوني ، سلوني  . 
وعن صالح بن أبي الأسود ،  سمعت  جعفر بن محمد  يقول : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي  . 
 ابن عقدة  الحافظ ، حدثنا جعفر بن محمد بن حسين بن حازم ،  حدثني إبراهيم بن محمد الرماني أبو نجيح ،  سمعت حسن بن زياد ،  سمعت أبا حنيفة ،  وسئل : من أفقه من رأيت ؟ قال : ما رأيت أحدا أفقه من  جعفر بن محمد ،  لما  [ ص: 258 ] أقدمه المنصور  الحيرة ،  بعث إلي فقال : يا أبا حنيفة ،  إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد ،  فهيئ له من مسائلك الصعاب . فهيأت له أربعين مسألة . ثم أتيت أبا جعفر ،  وجعفر  جالس عن يمينه ، فلما بصرت بهما ، دخلني لجعفر  من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر ،  فسلمت وأذن لي ، فجلست . ثم التفت إلى جعفر ،  فقال : يا أبا عبد الله ،  تعرف هذا ؟ قال : نعم . هذا أبو حنيفة   . ثم أتبعها : قد أتانا . ثم قال : يا أبا حنيفة ،  هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله  فابتدأت أسأله . فكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة  يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا ، فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة   ، وربما خالفنا جميعا ، حتى أتيت على أربعين مسألة ما أخرم منها مسألة . ثم قال أبو حنيفة   : أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس ؟ ! . 
علي بن الجعد ،  عن زهير بن معاوية  قال : قال أبي لجعفر بن محمد  إن لي جارا يزعم أنك تبرأ من أبي بكر  وعمر   . فقال جعفر   : برئ الله من جارك . والله إني لأرجو أن ينفعني الله بقرابتي من أبي بكر   . ولقد اشتكيت شكاية فأوصيت إلى خالي عبد الرحمن بن القاسم   . 
قال ابن عيينة   : حدثونا عن  جعفر بن محمد  ولم أسمعه منه ، قال : كان آل أبي بكر  يدعون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وروى ابن أبي عمر العدني  وغيره عن  جعفر بن محمد ،  عن أبيه ، نحو ذلك . 
 محمد بن فضيل ،  عن سالم بن أبي حفصة  قال : سألت أبا جعفر  وابنه جعفرا  عن أبي بكر  وعمر ،  فقال : يا سالم  تولهما ، وابرأ من عدوهما ، فإنهما كانا إمامي هدى . ثم قال جعفر   : يا سالم ،  أيسب الرجل جده ؟ أبو بكر  جدي ، لا نالتني  [ ص: 259 ] شفاعة محمد   -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما ، وأبرأ من عدوهما . 
وقال  حفص بن غياث   : سمعت  جعفر بن محمد  يقول : ما أرجو من شفاعة علي شيئا إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر  مثله . لقد ولدني مرتين  . 
كتب إلي عبد المنعم بن يحيى الزهري ،  وطائفة قالوا : أنبأنا داود بن أحمد ،  أنبأنا محمد بن عمر القاضي ،  أنبأنا عبد الصمد بن علي ،  أنبأنا  أبو الحسن الدارقطني ،  حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي ،  حدثنا محمد بن الحسين الحنيني ،  حدثنا مخلد بن أبي قريش الطحان ،  حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني ،  أن  جعفر بن محمد  أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة ،  فقال : " إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم ، فأبلغوهم عني : من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة ، فأنا منه بريء ، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر  وعمر ،  فأنا منه بريء " . 
وبه عن  الدارقطني ،  حدثنا إسماعيل الصفار ،  حدثنا أبو يحيى جعفر بن محمد الرازي ،  حدثنا  علي بن محمد الطنافسي ،  حدثنا حنان بن سدير ،  سمعت  جعفر بن محمد ،  وسئل عن أبي بكر  وعمر ،  فقال : إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة  . 
 [ ص: 260 ] وبه حدثنا الحسين بن إسماعيل ،  حدثنا محمود بن خداش ،  حدثنا أسباط بن محمد ،  حدثنا  عمرو بن قيس الملائي ،  سمعت  جعفر بن محمد  يقول : برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر  وعمر   . 
قلت : هذا القول متواتر عن جعفر الصادق ،  وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير منافق لأحد ، فقبح الله الرافضة   . 
وروى معبد بن راشد ،  عن معاوية بن عمار ،  سألت  جعفر بن محمد  عن القرآن فقال : ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنه كلام الله  . 
حماد بن زيد ،  عن أيوب  سمعت جعفرا  يقول : إنا -والله- لا نعلم كل ما يسألوننا عنه ، ولغيرنا أعلم منا . 
محمد بن عمران بن أبي ليلى ،  عن مسلمة بن جعفر الأحمسي   : قلت لجعفر بن محمد   : إن قوما يزعمون أن من طلق ثلاثا بجهالة رد إلى السنة ، تجعلونها واحدة ، يروونها عنكم . قال : معاذ الله! ما هذا من قولنا ، من طلق ثلاثا فهو كما قال  . 
 [ ص: 261 ]   سويد بن سعيد ،  عن معاوية بن عمار ،  عن  جعفر بن محمد  قال : من صلى على محمد   -صلى الله عليه وسلم- وعلى أهل بيته مائة مرة قضى الله له مائة حاجة  . 
أجاز لنا أحمد بن سلامة ،  عن أبي المكارم اللبان ،  أنبأنا أبو علي الحداد ،  أنبأنا أبو نعيم ،  حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ،  حدثنا محمد بن العباس ،  حدثني محمد بن عبد الرحمن بن غزوان  ، حدثنا مالك بن أنس  ، عن  جعفر بن محمد  قال ، لما قال له سفيان   : لا أقوم حتى تحدثني . قال : أما إني أحدثك وما كثرة الحديث لك بخير . يا سفيان  إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها ، فإن الله قال في كتابه : لئن شكرتم لأزيدنكم  وإذا استبطأت الرزق ، فأكثر من الاستغفار ، فإن الله قال في كتابه : استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال  الآية . يا سفيان   ; إذا حزبك أمر من السلطان أو غيره ، فأكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنها مفتاح الفرج ، وكنز من كنوز الجنة . فعقد سفيان  بيده وقال : ثلاث وأي ثلاث !قال جعفر   : عقلها والله أبو عبد الله  ولينفعنه الله بها . 
قلت : حكاية حسنة إن لم يكن ابن غزوان  وضعها فإنه كذاب . 
وبه قال أبو نعيم   : حدثنا أبو أحمد الغطريفي ،  حدثنا محمد بن أحمد بن مكرم الضبي ،  حدثنا علي بن عبد الحميد ،  حدثنا  موسى بن مسعود ،  حدثنا سفيان  قال : دخلت على  جعفر بن محمد  وعليه جبة خز دكناء وكساء خز أيدجاني فجعلت أنظر إليه تعجبا ، فقال : ما لك ، يا ثوري ؟ قلت : يا ابن رسول الله ،  [ ص: 262 ] ليس هذا من لباسك ، ولا لباس آبائك ، فقال : كان ذاك زمانا مقترا ، وكانوا يعملون على قدر إقتاره وإفقاره ، وهذا زمان قد أسبل كل شيء فيه عزاليه ثم حسر عن ردن جبته ، فإذا فيها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل ، وقال : لبسنا هذا لله ، وهذا لكم ، فما كان لله أخفيناه ، وما كان لكم أبديناه  . 
وقيل : كان جعفر  يقول : كيف أعتذر وقد احتججت ؟ وكيف أحتج وقد علمت ؟ . 
روى يحيى بن أبي بكر  عن هياج بن بسطام  قال : كان  جعفر بن محمد  يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء  . 
عن بعض أصحاب  جعفر بن محمد ،  عن جعفر ،  وسئل : لم حرم الله الربا ؟ قال : لئلا يتمانع الناس المعروف  . 
وعن هشام بن عباد ،  سمعت  جعفر بن محمد  يقول : الفقهاء أمناء الرسل ، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركنوا إلى السلاطين ، فاتهموهم  . 
وبه حدثنا  الطبراني ،  حدثنا أحمد بن زيد بن الجريش ،  حدثنا الرياشي ،  حدثنا الأصمعي  قال : قال  جعفر بن محمد   : الصلاة قربان كل تقي ، والحج جهاد كل ضعيف ، وزكاة البدن الصيام ، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر ، واستنزلوا الرزق بالصدقة ، وحصنوا أموالكم بالزكاة . وما عال من اقتصد ، والتقدير نصف العيش ، وقلة العيال أحد اليسارين ، ومن أحزن والديه ، فقد عقهما ، ومن ضرب بيده على فخذه عند مصيبة فقد حبط أجره ، والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب أو دين ، والله ينزل الصبر على قدر المصيبة  [ ص: 263 ] وينزل الرزق على قدر المؤنة ، ومن قدر معيشته ، رزقه الله ، ومن بذر معيشته ، حرمه الله  . 
وعن رجل ، عن بعض أصحاب  جعفر بن محمد  قال : رأيت جعفرا  يوصي موسى ،  يعني ابنه : يا بني من قنع بما قسم له استغنى ، ومن مد عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ، ومن لم يرض بما قسم له ، اتهم الله في قضائه ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه ، ومن كشف حجاب غيره انكشفت عورته ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن احتفر بئرا لأخيه ، أوقعه الله فيه ، ومن داخل السفهاء حقر ، ومن خالط العلماء وقر ، ومن دخل مداخل السوء اتهم . يا بني إياك أن تزري بالرجال . فيزرى بك ، وإياك والدخول فيما لا يعنيك فتذل لذلك ، يا بني قل الحق لك وعليك تستشار من بين أقربائك ، كن للقرآن تاليا ، وللإسلام فاشيا ، وللمعروف آمرا ، وعن المنكر ناهيا ، ولمن قطعك واصلا ، ولمن سكت عنك مبتدئا ، ولمن سألك معطيا ، وإياك والنميمة ، فإنها تزرع الشحناء في القلوب ، وإياك والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس كمنزلة الهدف . إذا طلبت الجود ، فعليك بمعادنه فإن للجود معادن ، وللمعادن أصولا ، وللأصول فروعا ، وللفروع ثمرا . ولا يطيب ثمر إلا بفرع ، ولا فرع إلا بأصل ، ولا أصل إلا بمعدن طيب . زر الأخيار ولا تزر الفجار ، فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها ، وشجرة لا يخضر ورقها ، وأرض لا يظهر عشبها  . 
عن عائذ بن حبيب ،  قال  جعفر بن محمد   : لا زاد أفضل من التقوى ، ولا شيء أحسن من الصمت ، ولا عدو أضر من الجهل ، ولا داء أدوأ من الكذب  . 
وعن يحيى بن الفرات ،  أن جعفرا الصادق  قال : لا يتم المعروف إلا بثلاثة : بتعجيله ، وتصغيره ، وستره  . 
كتب إلي أحمد بن أبي الخير ،  عن أبي المكارم اللبان ،  أنبأنا الحداد ،  أنبأنا أبو  [ ص: 264 ] نعيم ،  حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم ،  حدثنا أحمد بن علي الأبار ،  حدثنا منصور بن أبي مزاحم ،  حدثنا عنبسة الخثعمي ،  وكان من الأخيار ، سمعت  جعفر بن محمد  يقول : إياكم والخصومة في الدين ، فإنها تشغل القلب ، وتورث النفاق  . 
ويروى أن أبا جعفر المنصور  وقع عليه ذباب ، فذبه عنه ، فألح فقال لجعفر   : لم خلق الله الذباب ؟ قال : ليذل به الجبابرة  . 
وعن  جعفر بن محمد   : إذا بلغك عن أخيك ما يسوءك ، فلا تغتم ، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت ، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها . 
قال موسى  عليه السلام : يا رب أسألك ألا يذكرني أحد إلا بخير قال : ما فعلت ذلك بنفسي  . 
أخبرنا وحدثنا عن سعيد بن محمد بن محمد بن عطاف ،  أنبأنا أبو القاسم بن السمرقندي ،  حدثني  الحميدي ،  أنبأنا الحسين بن محمد المالكي القيسي  بمصر ،  أنبأنا عبد الكريم بن أحمد بن أبي جدار ،  أخبرنا أبو علي الحسن بن رخيم ،  حدثنا هارون بن أبي الهيذام ،  أنبأنا  سويد بن سعيد ،  قال ، قال الخليل بن أحمد   : سمعت  سفيان الثوري  يقول : قدمت مكة  فإذا أنا بأبي عبد الله جعفر بن محمد  قد أناخ بالأبطح ، فقلت : يا ابن رسول الله ، لم جعل الموقف من وراء الحرم ؟ ولم يصير في المشعر الحرام ؟ فقال : الكعبة  بيت الله ، والحرم حجابه ، والموقف بابه . فلما قصده الوافدون ، أوقفهم بالباب يتضرعون ، فلما أذن لهم في الدخول ، أدناهم من الباب الثاني وهو المزدلفة   . فلما نظر إلى كثرة تضرعهم وطول اجتهادهم رحمهم ، فلما رحمهم ، أمرهم بتقريب قربانهم ، فلما قربوا قربانهم ، وقضوا تفثهم وتطهروا من الذنوب التي كانت حجابا بينه وبينهم ، أمرهم  [ ص: 265 ] بزيارة بيته على طهارة . قال : فلم كره الصوم أيام التشريق ؟ قال : لأنهم في ضيافة الله . ولا يجب على الضيف أن يصوم عند من أضافه . قلت : جعلت فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة وهي خرق لا تنفع شيئا ؟ قال : ذاك  [ ص: 266 ] مثل رجل بينه وبين رجل جرم ، فهو يتعلق به ، ويطوف حوله رجاء أن يهب له ذلك ، ذاك الجرم . 
ومن بليغ قول جعفر ،  وذكر له بخل المنصور  فقال : الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما بذل لأجله دينه . 
أخبرنا علي بن أحمد  في كتابه ، أنبأنا عمر بن محمد ،  أنبأنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري ،  أنبأنا أبو الحسن بن المهتدي بالله ،  أنبأنا عبيد الله بن أحمد الصيدلاني ،  حدثنا أبو طالب علي بن أحمد الكاتب ،  حدثنا عيسى بن أبي حرب الصفار ،  عن الفضل بن الربيع ،  عن أبيه ، قال : دعاني المنصور  فقال : إن  جعفر بن محمد  يلحد في سلطاني قتلني الله إن لم أقتله . فأتيته ، فقلت : أجب أمير المؤمنين . فتطهر ولبس ثيابا ، أحسبه قال جددا فأقبلت به فاستأذنت له ، فقال : أدخله ، قتلني الله إن لم أقتله . فلما نظر إليه مقبلا قام من مجلسه فتلقاه وقال : 
مرحبا بالنقي الساحة ، البريء من الدغل والخيانة ، أخي وابن عمي ، فأقعده معه على سريره وأقبل عليه بوجهه ، وسأله عن حاله ، ثم قال : سلني عن حاجتك فقال : أهل مكة   والمدينة  قد تأخر عطاؤهم فتأمر لهم به . قال : أفعل . ثم قال : يا جارية ائتني بالتحفة . فأتته بمدهن زجاج فيه غالية فغلفه بيده وانصرف . فاتبعته ، فقلت : يا ابن رسول الله ; أتيت بك ولا أشك أنه قاتلك ، فكان منه ما رأيت . وقد رأيتك تحرك شفتيك بشيء عند الدخول فما هو ؟ قال : قلت : اللهم احرسني بعينك التي لا تنام ، واكنفني بركنك الذي لا يرام ، واحفظني بقدرتك علي ، ولا تهلكني . وأنت رجائي . رب كم من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري ، وكم من بلية ابتليتني بها قل لها عندك صبري ؟ ! فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني ، ويا من قل عند بليته صبري فلم يخذلني ، ويا من رآني على المعاصي فلم يفضحني ، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا ، ويا ذا المعروف  [ ص: 267 ] الذي لا ينقطع أبدا ، أعني على ديني بدنيا ، وعلى آخرتي بتقوى ، واحفظني فيما غبت عنه ولا تكلني إلى نفسي فيما خطرت . يا من لا تضره الذنوب ، ولا تنقصه المغفرة ، اغفر لي ما لا يضرك ، وأعطني ما لا ينقصك ، يا وهاب أسألك فرجا قريبا ، وصبرا جميلا ، والعافية من جميع البلايا ، وشكر العافية  . 
فأعلى ما يقع لنا من حديث جعفر الصادق ،  ما أنبأنا الإمام أبو محمد بن قدامة الحاكم ،  وطائفة قالوا : أنبأنا عمر بن محمد ،  أنبأنا أحمد بن الحسن ،  أنبأنا أبو محمد الجوهري ،  أنبأنا أبو بكر القطيعي ،  حدثنا  أبو مسلم الكجي ،  حدثنا أبو عاصم ،  عن  جعفر بن محمد ،  حدثني أبي : قال  عمر بن الخطاب   : ما أدري ما أصنع بالمجوس ؟  فقام عبد الرحمن بن عوف  قائما ، فقال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : سنوا بهم سنة أهل الكتاب   . 
 [ ص: 268 ] هذا حديث عال ، في إسناده انقطاع . 
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن المؤيد ،  أنبأنا زكريا بن علي بن حسان   ( ح ) وأنبأنا أحمد بن محمد ،  ومحمد بن إبراهيم  وعلي بن محمد ،  وجماعة قالوا : أنبأنا أبو المنجى عبد الله بن عمر  قالا : أنبأنا عبد الأول بن عيسى  قال : أخبرتنا أم الفضل بيبى بنت عبد الصمد الهرثمية ،  أنبأنا عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري ،  أنبأنا عبد الله بن محمد ،  حدثنا مصعب بن عبد الله   . حدثني مالك  عن  جعفر بن محمد ،  عن أبيه ، عن جابر  أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا وقف على الصفا  كبر ثلاثا ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير يصنع ذلك ثلاث مرات ، ويصنع على المروة  مثل ذلك ، وكان إذا نزل من الصفا ،  مشى حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي ، سعى حتى يخرج منه رواه مسلم   . 
وبه إلى عبد الرحمن بن أحمد   : حدثنا يحيى بن محمد ،  حدثنا عبد الوهاب بن فليح المقرئ  بمكة ،  حدثنا  عبد الله بن ميمون القداح ،  عن  جعفر بن محمد ،  عن أبيه ، عن  جابر بن عبد الله ،  قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يؤمن مؤمن حتى يؤمن بالقدر كله ، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه  . 
هذا حديث غريب فيه نكارة . تفرد به القداح   . وقد قال  البخاري   : ذاهب الحديث . أخرجه أبو عيسى  عن زياد بن يحيى  عنه ، فوقع بدلا بعلو درجة . 
 [ ص: 269 ] قال المدائني ،  وشباب العصفري  وعدة : مات جعفر الصادق  في سنة ثمان وأربعين ومائة وقد مر أن مولده سنة ثمانين أرخه الجعابي  وأبو بكر بن منجويه ،  وأبو القاسم اللالكائي  فيكون عمره ثمانيا وستين سنة -رحمه الله . 
لم يخرج له  البخاري  في الصحيح ، بل في كتاب الأدب وغيره . 
وله عدة أولاد : أقدمهم إسماعيل بن جعفر  ومات شابا في حياة أبيه ، سنة ثمان وثلاثين ومائة . وخلف محمدا  وعليا  وفاطمة   . فكان لمحمد  من الولد جعفر  وإسماعيل  فقط . فولد جعفر  محمدا ،  وأحمد ،  درج ولم يعقب ، فولد لمحمد بن جعفر ،  جعفر  وإسماعيل  وأحمد  وحسن ،  فولد لحسن  جعفر  الذي مات بمصر  سنة ثلاث وتسعين ومائتين ، وخلف ابنه محمدا ،  فجاءه خمسة بنين ، وولد لإسماعيل بن محمد ،  أحمد  ويحيى  ومحمد  وعلي  درج ولم يعقب ، فولد لأحمد  جماعة بنين ، منهم إسماعيل بن أحمد  المتوفى بمصر  سنة خمس وعشرين وثلاثمائة . 
فبنو محمد بن إسماعيل بن جعفر  عدد كثير كانوا بمصر ،  وبدمشق  قد استوعبهم الشريف العابد أبو الحسين محمد بن علي بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق   . ويعرف هذا بأخي محسن   . كان يسكن بباب توما   . مات قبل الأربعمائة . وذكر منهم قوما بالكوفة   . وبالغ في نفي عبيد الله المهدي  من أن يكون من هذا النسب الشريف ، وألف كتابا في أنه  [ ص: 270 ] دعي ، وأن نحلته خبيثة ، مدارها على المخرقة والزندقة . 
رجعنا إلى تتمة آل جعفر الصادق   . فأجلهم وأشرفهم ابنه :  موسى الكاظم  
				
						
						
