الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      صفوان بن المعطل

                                                                                      ابن رحضة بن المؤمل . أبو عمرو السلمي ، ثم الذكواني ، المذكوربالبراءة من الإفك .

                                                                                      وفي قصة الإفك ، قال فيه النبي ، صلى الله عليه وسلم : ما علمت إلا خيرا .

                                                                                      وكان يسير في ساقة الجيش ، فمر ، فرأى سواد إنسان ، فقرب ، فإذا هو بأم المؤمنين عائشة ، قد ذهبت لحاجتها ، فانقطع لها عقد ، فردت تفتش عليه ، وحمل الناس ، فحملوا هودجها يظنونها فيه ، وكانت صغيرة ، لها اثنا عشر عاما ، وساروا ، فردت إلى المنزلة ، فلم تلق أحدا ، فقعدت ، [ ص: 546 ] وقالت : سوف يفقدونني . فلما جاء صفوان رآها ، وكان يراها قبل الحجاب ، وكان الحجاب قد نزل من نحو سنة . فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ! لم ينطق بغيرها . وأناخ بعيره ، وركبها ، وسار يقود بها ، حتى لحق الناس نازلين في المضحى ، فتكلم أهل الإفك ، وجهلوا ، حتى أنزل الله الآيات في براءتها ، ولله الحمد .

                                                                                      وقال صفوان : إن كشفت كنف أنثى قط .

                                                                                      وقد روي له حديثان .

                                                                                      حدث عنه : سعيد بن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وسعيد المقبري ، وسلام أبو عيسى . وروايتهم عنه مرسلة ، لم يلحقوه فيما أرى ، إن كان مات سنة تسع عشرة .

                                                                                      قال ابن سعد : أسلم صفوان بن المعطل قبل المريسيع . وكان على ساقة النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى أن قال : مات بسميساط في آخر خلافة معاوية حدثني بذلك محمد بن عمر .

                                                                                      وقال خليفة : مات بناحية سميساط من الجزيرة ، وقبره هناك . [ ص: 547 ]

                                                                                      القواريري ، وعلي بن حجر : حدثنا عبد الله بن جعفر المديني : أخبرنا محمد بن يوسف ، عن عبد الله بن الفضل ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن صفوان بن المعطل السلمي ، قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في سفر ، فرمقت صلاته ليلة ، فصلى العشاء الآخرة ، ثم نام ، فلما كان نصف الليل ، استنبه ، فتلا العشر من آخر آل عمران ، ثم نام ، ثم قام ، ثم تسوك ، ثم توضأ ، وصلى ركعتين ، فلا أدري : أقيامه أم ركوعه أم سجوده كان أطول ; ثم انصرف ، فنام ، ثم استيقظ ، فتلا ذلك العشر ، ثم تسوك ، وتوضأ ، وصلى ركعتين .

                                                                                      قال : فلم يزل يفعل كما فعل أول مرة ; حتى صلى إحدى عشرة ركعة
                                                                                      .

                                                                                      وبإسناد غير متصل في " تاريخ دمشق " : أن صفوان بن المعطل حمل بداريا على رجل من الروم عليه حلية الأعاجم ، فطعنه ، فصرعه ، فصاحت امرأته ، وأقبلت نحوه ، فقال صفوان :

                                                                                      ولقد شهدت الخيل يسطع نقعها ما بين داريا دمشق إلى نوى     فطعنت ذا حلي فصاحت عرسه
                                                                                      يا بن المعطل ما تريد بما أرى     فأجبتها أني سأترك بعلها
                                                                                      بالدير منعفر المضاحك بالثرى     وإذا عليه حلية فشهرتها
                                                                                      إني كذلك مولع بذوي الحلى

                                                                                      [ ص: 548 ]

                                                                                      وفي " مسند " الهيثم بن كليب ، من طريق عامر بن صالح بن رستم عن أبيه عن الحسن عن سعد مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال :

                                                                                      شكي صفوان بن المعطل إلى رسول الله ، قال : وكان يقول هذا الشعر .

                                                                                      فقال : دعوا صفوان ، فإنه خبيث اللسان طيب القلب
                                                                                      .

                                                                                      وفيه ، عن سعد ، قال : وكنا في مسير لنا ، ومعنا تمر ، فجاءني صفوان بن المعطل ، فقال : أطعمني من ذلك التمر . قلت : إنما هو تمر قليل ، ولست آمن أن يدعو به - أظنه أراد النبي - صلى الله عليه وسلم- فإذا نزلوا ، فأكلوا ، أكلت معهم . قال : أطعمني ، فقد أصابني الجهد . فلم يزل بي حتى أخذ السيف ، فعقر الراحلة . فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال : قولوا لصفوان : فليذهب .

                                                                                      فلما نزلوا ، لم يبت تلك الليلة ، يطوف في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- حتى أتى عليا ، فقال : أين أذهب ؟ أذهب إلى الكفر! فدخل علي على رسول الله ، فقال : إن هذا لم يدعنا نبيت هذه الليلة ، قال : أين يذهب ؟ إلى الكفر ؟ قال : قولوا لصفوان : فليلحق .
                                                                                      .

                                                                                      روى نحوه القواريري ، عن سليم بن أخضر ، عن ابن عون ، عن الحسن ، عن صاحب زاد النبي - صلى الله عليه وسلم- نحوه .

                                                                                      عروة ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- في قصة الإفك حمد الله ، ثم قال : [ ص: 549 ] أما بعد : أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي ، وايم الله إن علمت على أهلي من سوء قط ، وأبنوهم بمن والله إن علمت عليه سوءا قط .

                                                                                      ابن يونس : أخبرنا يونس ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، عن صفوان بن المعطل ، قال : ضرب حسان بن ثابت بالسيف في هجاء هجاه به ، فأتى حسان النبي - صلى الله عليه وسلم- فاستعداه عليه . فلم يقده منه ، وعقل له جرحه ، وقال : إنك قلت قولا سيئا .

                                                                                      رواه معمر ، فلم يذكر ابن المسيب .

                                                                                      قلت : الذي قاله حسان :

                                                                                      أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا     وابن الفريعة أمسى بيضة البلد



                                                                                      فغضب صفوان ، وقال : يعرض بي! ووقف له ليلة ، حتى مر حسان ، فيضربه بالسيف ضربة كشط جلدة رأسه . فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم- حسان ، ورفق به ، حتى عفا ; فأعطاه - صلى الله عليه وسلم- سيرين أخت مارية لعفوه ، فولدت له ابنه عبد الرحمن .


                                                                                      وقد روي : أن صفوان شكته زوجته أنه ينام حتى تطلع الشمس . فسأله [ ص: 550 ] النبي - صلى الله عليه وسلم- عن ذلك . فقال : إنا أهل بيت معروفون بذلك .

                                                                                      فهذا بعيد من حال صفوان أن يكون كذلك ، وقد جعله النبي - صلى الله عليه وسلم- على ساقة الجيش : فلعله آخر باسمه .

                                                                                      قال الواقدي : مات صفوان بن المعطل سنة ستين بسميساط .

                                                                                      وقال خليفة : مات بالجزيرة . وكان على ساقة النبي - صلى الله عليه وسلم- وكان شاعرا .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : قتل في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة قال : وكان أحد الأمراء يومئذ .

                                                                                      قلت : فهذا تباين كثير في تاريخ موته ، فالظاهر أنهما اثنان . والله أعلم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية