الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبب سؤال فاطمة رسولَ الله مع استغنائها بسهم ذوي القربي

السؤال

شيوخنا الكرام: أود أن أشكركم على المجهودات المبذولة لإرشادنا، وإجابتنا وتقويمنا في هذا الزمن.
أريد أن أسأل عن حديث: يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين ....
والذي حيرني هي الآية التي فيها طريقة تقسيم الغنائم، ولم أستطع فهمها جيدًا، ألم يكن لسيدتنا فاطمة وزوجها -رضي الله عنهما- نصيب في الغنائم مما يكفيهما سؤال النبي صلى الله عليه وسلم؟
أرجو إفادتي في الموضوع، وأرجو أن لا أكون قد تجرأت واستفسرت عن أمر لا يجدر بي الخوض فيه. جزاكم الله عنا خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالحديث الذي أشرت إليه ضعيف لا يصح، أخرجه الطبراني في الدعاء، قال: حدثنا محمد بن نصير الأصبهاني، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا سفيان الثوري، عن عبدة بن أبي لبابة، عن سويد بن غفلة، قال: أصابت عليًّا -رضي الله عنه- فاقة، فقال لفاطمة -رضي الله عنها-: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألتيه، وكان عند أم أيمن -رضي الله عنها-، فدقت الباب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم أيمن: «إن هذا لدق فاطمة، ولقد أتتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها، فقومي فافتحي لها الباب»، قالت: ففتحت لها الباب، فقال: «يا فاطمة، لقد أتيتنا في ساعة ما عودتنا أن تأتينا في مثلها»، فقالت: يا رسول الله، هذه الملائكة طعامها التسبيح والتحميد والتمجيد، فما طعامنا؟ قال: «والذي بعثني بالحق ما اقتبس في آل محمد نار منذ ثلاثين يومًا، وقد أتانا أعنز، فإن شئت أمرت لك بخمسة أعنز، وإن شئت علمتك خمس كلمات علمنيهن جبريل -عليه السلام- آنفا»، قالت: بل علمني الخمس كلمات التي علمكهن جبريل -عليه السلام-، قال: "قولي: يا أول الأولين، يا آخر الآخرين، ذا القوة المتين، ويا راحم المساكين، ويا أرحم الراحمين"، قال: فانصرفت حتى دخلت على علي -رضي الله عنهما- فقالت: ذهبت من عندك إلى الدنيا وأتيتك بالآخرة، قال: خيرًا يأتيك، خيرًا يأتيك.

وضعفه الذهبي في معجم الشيوخ الكبير، فقال: هذا حديث مع غرابته مرسل، وقيل: بل لسويد صحبة، وهو أنصاري. تفرد بهذا الحديث إسماعيل بن عمر البجلي، وليس هو بمعتمد، ضعفه ابن عدي. اهـ.

وأما ما استشكلته عن استغناء فاطمة -رضي الله عنها- بسهم ذوي القربي من خمس الغنائم: فليس بمشكل، فخمس الغنيمة لا يتعين صرف سهم منه لذوي القربى، بل خمس الغنيمة هو للنبي صلى الله عليه وسلم يتصرف فيه، ويعطي ذوي القربى منه، وفق ما يراه من المصلحة، وهذا مذهب طائفة من العلماء، وعليه جرى عمل الخلفاء الراشدين.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر المساكين على ابنته فاطمة -رضي الله عنها-، فقد أخرج البخاري ومسلم عن علي، أن فاطمة -عليها السلام- اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن، فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسبي، فأتته تسأله خادمًا، فلم توافقه، فذكرت لعائشة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم، فقال: «على مكانكما»؛ حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: «ألا أدلكما على خير مما سألتماه: إذا أخذتما مضاجعكما، فكبّرا الله أربعًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وسبحا ثلاثًا وثلاثين؛ فإن ذلك خير لكما مما سألتماه».

وترجم عليه البخاري: باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين، وإيثار النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة، وشكت إليه الطحن والرحى أن يخدمها من السبي، فوكلها إلى الله.

وجاء في فتح الباري لابن حجر: قال إسماعيل القاضي: هذا الحديث يدل على أن للإمام أن يقسم الخمس حيث يرى؛ لأن الأربعة الأخماس استحقاق للغانمين، والذي يختص بالإمام هو الخمس. وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم ابنته وأعز الناس عليه من أقربيه، وصرفه إلى غيرهم.

وقال نحوه الطبري: لو كان سهم ذوي القربى قسمًا مفروضًا، لأخدم ابنته، ولم يكن ليدع شيئًا اختاره الله لها، وامتنّ به على ذوي القربى.

وكذا قال الطحاوي، وزاد: وأن أبا بكر وعمر أخذا بذلك، وقسما جميع الخمس، ولم يجعلا لذوي القربى منه حقًّا مخصوصًا به، بل بحسب ما يرى الإمام، وكذلك فعل علي.

وقال المهلب: في هذا الحديث أن للإمام أن يؤثر بعض مستحقي الخمس على بعض، ويعطي الأوكد فالأوكد.

ويستفاد من الحديث حمل الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من التقلل، والزهد في الدنيا، والقنوع بما أعد الله لأوليائه الصابرين في الآخرة. اهـ. باختصار.

وفي المفهم للقرطبي: وأما الخمس والفيء: فهل يقسم في أصناف، أو لا يقسم، وإنما هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ منه حاجته من غير تقدير، ويعطي القرابة منه باجتهاده، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين؟ وهذا هو مذهب مالك، وبه قال الخلفاء الأربعة، وبه عملوا، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم: (ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس)، فإنه لم يقسمه أخماسًا، ولا أثلاثًا. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني