الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالبلوغ لغة: الوصول، يقال: بلغ الشيء يبلغ بلوغًا، وبلاغًا: وصل، وانتهى. وبلغ الصبي: احتلم، وأدرك وقت التكليف، وكذلك بلغت الفتاة.
واصطلاحًا: انتهاء حدِّ الصغر؛ ليكون أهلًا للتكاليف الشرعية.
وللبلوغ علامات طبيعية ظاهرة، منها ما هو مشترك بين الذكر والأنثى، ومنها ما يختص بالأنثى:
أما ما هو مشترك، فهو:
أولًا: الاحتلام وهو: خروج المني من الرجل والمرأة، في يقظة، أو منام؛ لوقت إمكانه، قال تعالى: وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النور:59].
ثانيًا: الإنبات، وهو: ظهور شعر العانة، وهو الذي يحتاج في إزالته إلى نحو الحلق، دون الزغب الصغير، الذي ينبت للصغير، دلَّ على ذلك ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم سعد بن معاذٍ في بني قريظة، فحكم بقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، أمر أن يكشف عن مؤتزرهم، فمن أنبت، فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت، فهو من الذرية. رواه أصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح. وكتب عمر إلى عامله أن لا يقتل إلا من جرت عليه المواسي.
والقول بأن الإنبات علامة للبلوغ مطلقًا، هو مذهب الحنابلة، والمالكية.
ثالثًا: بلوغ سن خمس عشرة سنة قمرية؛ لخبر ابن عمر: عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ في القتال، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني. متفق عليه. وهذا لفظ مسلم. فقال عمر بن عبد العزيز لما بلغه هذا الحديث: إن هذا الفرق بين الصغير والكبير.
وأما ما يختص بالأنثى، فهو علامتان:
الأولى: الحيض؛ لحديث: لا يقبل الله صلاة حائض، إلا بخمار. رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن. والمراد بالحائض: البالغ، وسميت بذلك؛ لأنها بلغت سن المحيض.
الثانية: الحمل؛ لأن الله تعالى أجرى العادة أن الولد يخلق من ماء الرجل وماء المرأة، قال تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ [الطارق:5-7]، وهذه العلامة -أعني الحمل-، راجعة إلى علامة الاحتلام الآنف ذكرها.
والله أعلم.