الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الدين يسر، وما كلف الله العباد إلا بما في وسعهم، ومن القواعد المعروفة المشقة تجلب التيسير، ولكنه يجب التنبه إلى أن المشقة لا تقدر بأهواء النفوس ولا بكسل الناس، وإنما تقدر بما يحصل من الضرر، وأما ما يشق من غير ضرر معتبر فقد رغب الشارع في تحمله ومثاله الوضوء على المكاره والصوم في الأيام الحارة والمجاهدة للنفس في حملها على طاعة الله.
وأما المسائل المذكورة في السؤال فقد بينا تفصيل القول فيها في عدة فتاوى سابقة، فتقديم الصائم إفطاره على صلاة المغرب مشروع كما يفيده الحديث: إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب ولا تعجلوا في عشائكم. رواه البخاري.
ولا يعني هذا أن يفرط الناس في صلاة الجماعة بل يتعين عليهم أن يصلوا جماعة فإن لم يوجد مسجد قريب أو قاعة في الفندق تسعهم فلا مانع أن يصلوا جماعات، فقد ذكر أهل العلم أن الجماعة تشرع إقامتها في البيوت لمن لم يدرك جماعة المسجد، ويدل لذلك حديث مسلم عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينضح ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقوم خلفه فيصلي بنا.
وأما الجمع بين الصلاتين فقد ثبتت الأحاديث فيه، وجوزه الحنابلة وأشهب من المالكية.
ولكن الذي جرى عليه عمل النبي صلى الله عليه وسلم في الغالب وجرى عليه عمل الخلفاء الراشدين هو الالتزام بصلاة كل فرض في وقته مع الجماعة، وفي الحديث: أنه سئل أي العمل أحب إلى الله تعالى قال: الصلاة على وقتها. متفق عليه. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التشنيع في تعمد تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر كما في الحديث: تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا.
قال النووي: فيه تصريح بذم تأخير صلاة العصر بلا عذر.
وأما كلام الفقهاء الذي ذكر الشخص المذكور فهو كلام منقول من كفاية الأخيار شرح غاية الاختصار، وهو كناب معتبر في فقه الشافعية.
وما قاله المؤلف كلام صحيح لا مطعن فيه ومعناه موجود في فقه المذاهب الأخرى، ويدل له أن العبد مكلف بما يستطيع عملا بالحديث: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم. راه مسلم.
وفي الحديث: فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب. رواه البخاري
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 57831، 53951، 38620، 96139، 96356، 38620.
والله أعلم.