الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فصحيح أنه قد ورد في صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار.
ولكن هذا الحديث لا يدل على أن الشيطان لا يأتي للعبد في أثناء السجود، وإنما يفيد فقط أن السجود محزن للشيطان، ويجعله يبكي ويتحسر على سوء ما ينتظره من العذاب.
وقد ثبت أن الشيطان يأتي لابن آدم من جميع الجهات إلا جهة الفوق، ولم يُستثن في ذلك سجود ولا غيره، قال الله تعالى فيما يحكي من محاجة الشيطان له: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف:16-17}، قال قتادة: أتاك من كل وجه غير أنه لم يأتك من فوقك.
وعليه فلا نرى صحة القول بأن وسوسة الشيطان لا تأتي للعبد وهو ساجد.
وعن الشق الثاني فليس من شك أنه ينبغي للمسلم أن يصرف همته إلى ما ينفعه في أمر معاشه ومعاده، ومع ذلك فإننا لا نقول إن التفكير في الأشياء التافهة من أمور الدنيا يدل على أن ذلك لا يكون إلا من النفس الضعيفة، لأن الإنسان في الغالب لا يستطيع الاستمرار في تركيز تفكيره وشد انتباهه لكثرة ما يأتي على خاطره من أمور لا يستطيع دفعها، وينبغي له فقط أن لا يسترسل في تلك الخواطر وأن يجتهد في دفعها عن نفسه ولا سيما إذا كان لا ينبني عليها شيء من أمر دينه أو دنياه، أو كانت تغري بالوقوع في المعاصي والمحرمات.
والله أعلم.