الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن العلماء مجمعون على أن من ترك الصلاة جحوداً وإنكاراً لها يعتبر كافرا خارجا عن الملة والعياذ بالله تعالى، أما من تركها مع إيمانه بها، واعتقاده بفرضيتها، ولكنه يتركها تكاسلاً، أو تشاغلاً عنها، فقد اختلف في حكمه فذهب أكثر العلماء إلى أنه فاسق مرتكب كبيرة، ومن أدلة هذا القول ما ذكر في الفتوى الأولى المذكورة في السؤال، والفتوى رقم: 17277، والفتوى رقم: 98124. وأصحاب هذا القول لا يفرقون بين من ترك صلاة أو أكثر من حيث الحكم عليه حسب اطلاعنا، فهو عندهم فاسق وليس كافرا ما دام مقرا بوجوب الصلاة، ومن العلماء من يرى أن تارك الصلاة متعمدا يعتبر كافرا ولوكان مقرا بوجوبها أخذا بظاهر الأحاديث الصريحة في كفر تارك الصلاة، وإلى هذا القول ذهب الإمام أحمد ومن وافقه ولكن هل يعتبر كافرا بترك صلاة أو أكثر، اختلفت الروايات عن الإمام في ذلك، فقيل يقتل بترك صلاة واحدة إذا ضاق وقت التي بعدها ولم يصل، وقيل لا يقتل إلا إذا ترك ثلاثا وضاق وقت الرابعة .
قال ابن قدامة في المغني بعد أن بسط الكلام في حكم تارك الصلاة وما اتفق عليه العلماء من ذلك وما اختلفوا فيه: إذا ثبت هذا فظاهر كلام الخرقي أنه يجب قتله بترك صلاة واحدة، وهي إحدى الروايتين عن أحمد ؛ لأنه تارك للصلاة ، فلزم قتله، كتارك ثلاث، ولأن الأخبار تتناول تارك صلاة واحدة، لكن لا يثبت الوجوب حتى يضيق وقت التي بعدها؛ لأن الأولى لا يعلم تركها إلا بفوات وقتها، فتصير فائتة لا يجب القتل بفواتها، فإذا ضاق وقتها علم أنه يريد تركها، فوجب قتله .
والثانية: لا يجب قتله حتى يترك ثلاث صلوات، ويضيق وقت الرابعة عن فعلها؛ لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين لشبهة، فإذا تكرر ذلك ثلاثا تحقق أنه تارك لها رغبة عنها، ويعتبر أن يضيق وقت الرابعة عن فعلها ؛ لما ذكرنا.
وقد صرح شيخ الإسلام ابن تيمية بأن من يترك الصلاة أحيانا ويصلي أحيانا داخل في الوعيد يعني أنه غير كافر، قال في الفتاوى الكبرى: لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها ، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. انتهى.
أما نحن فإننا في هذه الفتوى الخاصة بهذه المسألة نذكر الخلاف فيها غالبا مع بيان أدلة الفريقين وفي بعض الأحيان يلاحظ الميل إلى أحد القولين إما اعتبارا بحال السائل وإما لأسباب أخرى.
والله أعلم.