خلاصة الفتوى:
يجب القصاص في جناية العمد إلا إذا خشي في ذلك موت الجاني فإنه يعدل إلى الدية، ويجب معاقبة العصابة على فعلتهم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي فهمناه من السؤال هو أنك كنت مع ابن عمك تمشيان، وأن عصابة قد اعتدت عليكما حيث ضربك أحدهم في الرأس، مما جعلك في غيبوبة ثم اعتدوا على ابن عمك وسرقوا بعض أمتعته... وبعد أيام تم القبض على العصابة، واطلعتم على التقرير الطبي الذي بينت محتواه.. وأنت الآن تطلب القصاص ممن اعتدوا عليك.
وللجواب على هذا نقول لك بما أن الجرح الذي حصل قد فعله الفاعل عمداً، فإن أمكن القصاص من صاحبه، وأمن من الحيف ولم يخش في ذلك هلاك، فالواجب فيه هو القصاص، لقول الله تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ {المائدة:45}، وأما إذا خشي هلاك الجاني، بأن كان الجرح قد وصل إلى جلدة الدماغ، فإن تلك الجناية هي المسماة بالمأمومة ولا قصاص فيها، لأنها من المتالف، وكذا الحال إذا احتيج في علاجها إلى إزالة بعض العظام للدواء، وتسمى حينئذ بالمنقلة، جاء في المغني: وليس في المأمومة ولا في الجائفة قصاص) المأمومة: شجاج الرأس، وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ، وتسمى تلك الجلدة أم الدماغ، لأنها تجمعه، فالشجة الواصلة إليها تسمى مأمومة وآمة لوصولها إلى أم الدماغ، والجائفة في البدن وهي التي تصل إلى الجوف، وليس فيهما قصاص عند أحد من أهل العلم نعلمه، إلا ما روي عن ابن الزبير أنه قص من المأمومة فأنكر الناس عليه، وقالوا: ما سمعنا أحداً قص منها قبل ابن الزبير... وروى ابن ماجه في سننه عن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا قود في المأمومة ولا في الجائفة، ولا في المنقلة. ولأنهما جرحان لا تؤمن الزيادة فيهما فلم يجب فيهما قصاص ككسر العظام. انتهى.
وفي هذه الحال يكون لك دية الجرح فقط، وهو ثلث الدية إذا كان مأمومة أو عشر الدية ونصف عشرها إذا كانت منقلة، ولك أن تراجع في ذلك الفتوى رقم: 69982، والفتوى رقم: 72302.
كما أن لكما الحق في استرجاع أمتعتكما المأخوذة منكما.
وإذا قلنا بعدم القصاص فإنه من الواجب على السلطة أن تعاقب تلك العصابة على هذا العمل الإجرامي، بما تستحق فإن هذه الفعلة تدخل في قطع الطريق وهو ما يعرف بالحرابة، والله جل وعلا يقول في هؤلاء: إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {المائدة:33}.
وعلى كل فلا ينبغي أن يبقى هؤلاء طلقاء.
والله أعلم.