الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بد هنا من التفريق بين أمرين:
الأول: رأس المال المسروق ، وهذا يجب بذل الوسع في رده إلى صاحبه إجماعاً ، فإن مات رد إلى ورثته ، فإن لم يوجدوا أو تعذر الوصول إليه أو إليهم تصدق به عنه ، فإن عثر عليه بعد ذلك وأمضى الصدقة مضت ، وإلا دفع إليه.
الثاني: الربح الناشئ عن استثمار هذا المال المسروق ، هل يتبع المال فيفعل به ما يفعل بالمال؟ أم يتبع الجهد المبذول فيبقى مع آخذه؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى قولين:
الأول: أن الربح يتبع رأس المال ، ولا يتبع الجهد المبذول إذا كان أخذ بغير إذن مالكه ، وليس لآخذه منه شيء ، وهذا قول أبي حنيفة وأحمد في ظاهر المذهب ، وهو مذهب ابن حزم أيضاً.
الثاني: أن الربح تبع للجهد المبذول ، لا لرأس المال ، ومن ثم يكون الربح الناشئ في استثمار المال الحرام للآخذ وليس لرب المال. وهذا قول المالكية ، والشافعية ، مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم:" الخراج بالضمان" رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن القطان.
والراجح -والله أعلم- هو القول الأول القاضي بوجوب رد رأس المال المسروق أو المغصوب والربح الناشئ عنه إلى مالكه ، وقد رجح هذا الإمام الشوكاني ، فقال رحمه الله: "فوائد العين المغصوبة تابعة لها ، فكما يجب رد العين المغصوبة إلى المالك ، كذلك يجب رد فوائدها إليه ، ومن خالف في هذا فليس بيده رواية ولا دراية ، أما الاستدلال بحديث :"الخراج بالضمان" فلا يخفاك أنه وارد في مقبوضة بإذن الشارع ، فكيف يصح إلحاق العين المغصوبة بها" انتهى كلامه رحمه الله. والحاصل أن الأخذ بالقول الأول هو الذي يتماشى مع قواعد الشرع ومقاصده ، فالظالم لا ينبغي أن يستفيد من ظلمه ، لأن من مقاصد الشريعة منع العدوان ، وسد الذرائع الموصلة إليه ، والقول باستحقاق الظالم لغلات الأموال التي أخذها ظلماً وسرقة أوغصباً يتناقض مع هذه المقاصد والغايات الشرعية ، فلو أبيح ذلك لكان الغصب والسرقة طريقاً للربح الحلال ، وهذا ما لم تأت به الشريعة.
وبما تقدم تعلم أن الواجب عليك هو التخلص من هذا المال وأرباحه ، وعليك بالبحث الجاد عن صاحبه ، أو ورثته ، ولو كلفك ذلك صرف بعض هذا المال في سبيل الاطلاع عليهم ، فبادر بذلك قبل أن يداهمك الموت ، فيحول بينك وبين التخلص من هذه الحقوق المتراكمة.
والله أعلم.