الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجوابنا لك نفصله في النقاط التالية فتدبريها بتعقل وتجرد وإخلاص:
أولاً: اعلمي أن معنى إقرارك بالإسلام هو الاستسلام المطلق لأحكامه والتصديق الجازم بأنه حق، وأن الذي شرعه وأنزله هو الحكيم الخبير، وقد قال: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}، وقال: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ {الملك:14}.
ثانياً: ما تتوهمينه من أن تفضيل الذكر على الأنثى فيما فضله الله عز وجل وخصه به ينافي العدل أو ينافي تكريم الإسلام للمرأة، هو خطأ ربما سببه ما يشاع من كلام خاطئ لغير المختصين أو أصحاب المقاصد السيئة من أعداء الدين أو جهلة المسلمين ممن لا يعتد بفهمهم أو قولهم في مسائل الدين والأحكام الشرعية... وقد ذكر المولى عز وجل سببين اثنين لفضل الرجل على المرأة، أولهما: وهبي. وثانيهما: كسبي. قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34}، أما الأول منهما: فهو ما أشار إليه قوله تعالى: بما فضل الله بعضهم على بعض.. أي بتفضيل الله الرجال على النساء، بما جعل منهم الأنبياء والخلفاء والسلاطين والحكام والغزاة، وما شرعه من كمال عباداتهم بأدائهم لها في جميع الأوقات، وزيادة التعصيب والنصيب في الميراث، وجعل الطلاق بأيديهم والانتساب إليهم، وغير ذلك مما فضل الله به جنس الرجال على جنس النساء في الجملة.
والسبب الثاني: في جعل القوامة للرجل على المرأة هو ما أنفقه عليها وما دفعه إليها من مهر، وما يتكلفه من نفقة في الجهاد، وما يلزمه في العقل والدية، وغير ذلك مما لم تكن المرأة ملزمة به، وقد أشار إليه في الآية بقوله: وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. جاء في تفسير السعدي: بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. أي: بسبب فضل الرجال على النساء وإفضالهم عليهن، فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة: من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات كالجهاد والأعياد والجمع، وبما خصهم الله به من العقل والرزانة والصبر والجلد الذي ليس للنساء مثله، وكذلك خصهم بالنفقات على الزوجات؛ بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال ويتميزون عن النساء. انتهى.
ثالثاً: هذا التفضيل هو مقتضى العدل ولو لم يكن لكان ظلماً للرجل وللمرأة أيضاً، إذ لو سوى بينهما لكلفت النساء ما لا طاقة لهن به وما لا يتناسب مع طبائعهن، كما أنه مقتضى العقل والفطرة فإنهما يجزمان بأن لكل من المرأة والرجل خصائصه المبنية على تكوينه العقلي والنفسي والجسماني الذي يختلف اختلافاً واضحاً عن الطرف الآخر، فهل يعقل أن تتساوى وظيفتهما مع هذا الاختلاف، أم أن العقل والفطرة والعدل والقسط كلها تجزم بأن يكلف كل منهما من الواجبات ما يقدر عليه، ويعطى من الحقوق ما يستحقه، ويسند إليه من الوظائف ما يلائمه ويناسبه، وهذا هو الذي جاء به الشرع وقرره قسطاً وعدلاً (ولا يظلم ربك أحداً).
رابعاً: هذا التفضيل ليس مطلقاً فليس كل ذكر أفضل من كل أنثى -بل هناك كثير من النساء أفضل من كثير من الرجال- وإنما هو تفضيل باعتبار الجنس وأصل النوع.. أما باعتبار الأفراد، فلا يطلق بفضل الرجال ولا النساء وإنما الأفضلية للأتقى، كما قال الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13}، ثم إن الله جل وعلا قد ساوى بين الرجل والمرأة في أصل الخلق، وفي التكريم، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ {الأنعام:98}، وقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {الإسراء:70}، وساوى بينهما في أصل التكليف، وفي الحساب والجزاء، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}، ولقد بين الباري جل وعلا أن المرأة مماثلة للرجل في الحقوق والواجبات داخل الإطار الأسري، وللرجل عليها درجة وهي: درجة القوامة على أمرها، والرعاية لشؤونها، قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ {البقرة:228}.
خامساً: بخصوص ما ذكرت في العتق والعقيقة ومثل ذلك الدية، قال المناوي في فيض القدير: قال الحليمي: وحكمة كون الأنثى على النصف من الذكر أن القصد استبقاء النفس فأشبهت الدية، وقواه ابن القيم بالحديث الوارد في أن من أعتق ذكراً عتق كل عضو منه، ومن أعتق جاريتين كذلك. انتهى.
والله أعلم.