الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالآية الثالثة من سورة النساء هي قوله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا [النساء:3]، وقد بين الله في هذه الآية حكم زواج الرجل باليتيمة تكون تحت حجره، فيعجبه مالها، وجمالها، ويخاف أن لا يعطيها مهر مثلها، فأمره الله أن يعدل عنها إلى غيرها من النساء، فإنهن كثير، ولم يضيق الله عليه، بل أباح له أن يجمع بين اثنتين، أو ثلاث، أو أربع، ما لم يخف الجور، فإن خاف الجور فلينكح امرأة واحدة، أو ما شاء مما ملكت يمينه من الإماء، لأنه لا يجب العدل بينهن، وهذا معنى قوله تعالى: ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا {النساء: 3}.
وقد روى البخاري عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن قول الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) قالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، تشركه في ماله، ويعجبه مالها، وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن، ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، قال عروة: قالت يا عائشة: وإن الناس استفتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد هذه الآية، فأنزل الله: (ويستفتونك في النساء) إلى قوله تعالى: (وترغبون أن تنكحوهن) رغبة أحدكم بيتيمته، حيث تكون قليلة المال والجمال، قالت: فنهوا أن ينكحوا عن من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهنَّ إذا كن قليلات المال والجمال.
والله أعلم.