الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الذي يفهم من القرآن العزيز وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم ومضت به السنة ونقل عن جماهير الصحابة ولم ينقل عنهم خلافه أن الولي هو الذي يزوج، وأنه لا بد منه، وأن الأنثى لا تزوج نفسها، قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ {النور:32}، وهو خطاب للرجال الذين يتولون العقد، وقال الله تعالى مخاطباً لعموم المكلفين: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:232}، فالآية صريحة في نهي الأولياء عن عضل الثيب، ولا يملك العضل إلا من بيده عقدة النكاح..
وأما السنة فقد روى أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن.. وهو يفهم أن حق مباشرة العقد للرجال، ولكنه أوجب أن يكون برضى النساء، فالثيب لا بد من أمرها صريحاً، ويكتفى أن تستأذن البكر فتسكت، ومن السنة أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل. صححه الألباني.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بدون إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل.. رواه أصحاب السنن، وصححه الألباني، وروى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج نفسها. قال الألباني: صحيح.
أما الحنفية فقد رووا عن أئمتهم في المسألة روايتين، ظاهر الرواية أن نكاح الحرة العاقلة البالغة ينعقد برضاها ولو بدون ولي، ومع ذلك فقد قال في الهداية: وعن أبي يوسف أنه لا ينعقد بدون ولي، وعن محمد: ينعقد موقوفاً. وقولهما هو الموافق للأحاديث، فهل يصح أن يترك الحنفية هذا القول عندهم المؤيد بما رأيت من النصوص وعمل الصحابة لأجل تلك الرواية المخالفة لذلك؟!
ولذا فإنا نقول ببطلان هذا العقد الذي تم بدون الولي، ولكن لا تعتبر هذه العلاقة زنا وذلك مراعاة لقول من أجاز ذلك من الأحناف، ولوجود شبهة النكاح في هذا العقد، ومع كون هذا العقد فاسداً فإنه يفسخ بطلاق كما قاله بعض أهل العلم، وقد حصل الطلاق ولا عبرة بالرجعة بعده، ولك أن تتزوج هذه المرأة بعد العدة بعقد مستوفي الأركان والشروط. وللفائدة في ذلك راجع الفتويين التاليتين: 3395، 5862.
والله أعلم.