الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يتوب عليك وأن يهديك لما يحب ويرضى .. ثم اعلمي ـ أختي الكريمة ـ أن الإيمان باليوم الآخر، والاستعداد للقاء الله، وكثرة التأمل والدارسة في الترغيب والترهيب والرقائق، هو الذي يحمل الإنسان على طاعة الله تعالى، واجتناب معاصيه، ولذلك علل أهل الجنة اجتهادهم في الصالحات بقولهم: إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا {الإنسان: 10}
وإذا ذكروا حالهم في الدنيا بعد دخولهم الجنة قالوا: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ {الطور: 26} أي: خائفين وجلين، فتركنا من خوفه الذنوب، وأصلحنا لذلك العيوب.
فامتثلي أختي الكريمة لوصية النبي صلى الله عليه وسلم القائل: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ". يَعْنِي الْمَوْتَ . رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، والنسائي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.
فإن من فعل ذلك أقبل على إصلاح نفسه وعمارة أوقاته بما ينجيه عند لقاء الله تعالى: ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا*إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا. {النبأ:40،39}.
وبذلك أمر الله سبحانه فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ*وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {الحشر:19،18}. ففي هذه الآية يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يوجبه الإيمان من لزوم تقواه في جميع الأحوال، وأن يراعوا ما أمرهم الله به، وينظروا ماذا حصلوا عليه من الأعمال التي تنفعهم أو تضرهم في يوم القيامة، فإنهم إذا جعلوا الآخرة نصب أعينهم، واهتموا بالمقام بها، اجتهدوا في كثرة الأعمال الموصلة إليها، وتصفيتها من القواطع والعوائق. وإذا علموا أيضا أن الله خبير بما يعملون، أوجب لهم الجد والاجتهاد.
قال السعدي: وهذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة.
والحرمان كل الحرمان، أن يغفل العبد عن هذا الأمر، ويشابه قوما نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه، وأقبلوا على حظوظ أنفسهم ، فلم يحصلوا على طائل، بل أنساهم الله مصالح أنفسهم، فصار أمرهم فرطا، فرجعوا بخسارة الدارين.
ثم اعلمي أختي الكريمة أن ما تشتكيه من علو الصوت وسرعة الانفعال، والتعب النفسي والبركان الداخلي. هذا كله من فعل الشيطان، الذي يقارن من غفل عن ذكر الله العظيم، وابتعد عن القرآن الكريم ، واستبدل بذلك الأغاني المسموعة والمرئية ، كما قال تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {الزخرف:36} وفي المقابل يقول الله تعالى: أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد: 28}.
فذكر الله هو الحصن الحصين من الشيطان الرجيم، كما في الحديث الشريف: وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب، وصححه الألباني صحيح الجامع .
وعليك أختي الكريمة أن تستمعي لكلام الله بدلا من سماع مزمار الشيطان - الأغاني - فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ ؛ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ. رواه مسلم.
فابدئي من الآن وأعلنيها توبة صادقة مع الله تعالى، وأكثري من الاستغفار، واستعيني بالله وتوكلي عليه والجئي إليه، وأكثري من الدعاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ. رواه الترمذي وحسنه وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.
ونحذر السائلة من التهاون في شأن الصلاة على وجه الخصوص، فإن الله تعالى يقول: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا {مريم: 59}
وقد تقدم حكم ترك الصلاة والتهاون بها في الفتاوى ذات الأرقام: 6061 ، 1195، 3830 كما تقدم حكم استماع الغناء في الفتوى رقم:9776.
كما نحذرها من تضييع حق زوجها وإساءة عشرته، ونقول لها ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: انْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ ؛ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ. رواه أحمد وصححه الألباني.
قال أيضا صلى الله عليه وسلم : لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ. رواه أبو داود وصححه الألباني.
والله أعلم.