الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكان ينبغي لك أن تذكر رقم الفتوى التي أشكلَ عليك الجمع بينها وبين فتاوى العلماء، ثم اعلم أننا لا نفتي إلا بما يقولُ به أهل العلم المعتبرون من المتقدمين والمتأخرين، وبخصوص هذه المسألة الخطيرة التي وقع بسببها الشرك في الناس وانتشرت مظاهره في بلاد المسلمين فإن فتاوانا كثيرةٌ متظاهرة على التحذير من هذه الكبيرة -كبيرة بناء المساجد على القبور- وبيان خطرها.
وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 64496، 56497، 103382، 4527.
واعلم أيضاً أن الحكمة التي نهي لأجلها عن اتخاذ القبور مساجد هي سدُ ذريعة الشرك، ولذا فمتى وُجدت هذه الذريعة وجد المنع، فإذا وجدت صورة قبرٍ ولا ميتَ في الحقيقة فالمنع حاصل؛ لأن الذريعة موجودة، وإن زُعم بعد بناء المسجد أنه كانت هاهنا قبور وهذه القبور غيرُ ظاهرة, فلا معنى ً للمنع من الصلاة في هذا المسجد، إذ لا توجد صورة القبر ولا حقيقته، فالمقصود أن لا توجد صورة للقبر.
وقد أجاب بمثل هذا شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: لا يجوز دفن ميت في مسجد؛ فإن كان المسجد قبل الدفن غيّر إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديدا، وإن كان المسجد بني بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما أن تزال صورة القبر. انتهى.
ولعل هذا هو معنى عبارتك (إذا كانت القبور غير ظاهرة)، وقد ثبت في الصحيح أن النبي – صلي الله عليه وسلم –بنى مسجده وكان في موضعه قبورٌ للمشركين فنبشت.
قال العلامة الألباني – رحمه الله – في بيان هذا المعنى: ومن البين الواضح أن القبر إذا لم يكن ظاهرا غير معروف مكانه فلا يترتب من وراء ذلك مفسدة كما هو مشاهد حيث ترى الوثنيات والشركيات إنما تقع عند القبور المشرفة حتى ولو كانت مزّورة لا عند القبور المندرسة ولو كانت حقيقة فالحكمة تقتضي التفريق بين النوعين وهذا ما جاءت به الشريعة ... انتهى.
والله أعلم.