الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما القصة الأولى، فرواها الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة، عن موسى بن سعيد، عن عرباض بن سارية قال: كنت ألزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، فرأيتنا ليلة ونحن بتبوك وذهبنا لحاجةٍ، فرجعنا إلى منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تعشى ومن عنده من أضيافه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل في قبته ومعه زوجته أم سلمة بنت أبي أمية، فلما طلعت عليه قال: أين كنت منذ الليلة ؟ فأخبرته، فطلع جعال بن سراقة وعبد الله بن مغفل المزني، فكنا ثلاثة، كلنا جائع، إنما نعيش بباب النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فطلب شيئاً نأكله فلم يجده، فخرج إلينا فنادى بلالاً: يا بلال، هل من عشاء لهؤلاء النفر ؟ قال: لا والذي بعثك بالحق، لقد نفضنا جربنا وحمتنا. قال: انظر، عسى أن تجد شيئاً فأخذ الجرب ينفضها جراباً جراباً، فتقع التمرة والتمرتان، حتى رأيت بين يديه سبع تمرات، ثم دعا بصحفةٍ فوضع فيها التمر، ثم وضع يده على التمرات وسمى الله وقال: كلوا بسم الله. فأكلنا فأحصيت أربعة وخمسين تمرة أكلتها، أعدها ونواها في يدي الأخرى، وصاحباي يصنعان ما أصنع، وشبعنا وأكل كل واحدٍ منا خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي، فقال: يا بلال، ارفعها في جرابك، فإنه لا يأكل منها أحد إلا نهل شبعاً. قال: فبينا نحن حول قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يتهجد من الليل، فقام تلك الليلة يصلي، فلما طلع الفجر ركع ركعتي الفجر، وأذن بلال وأقام فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، ثم انصرف إلى فناء قبته، فجلس وجلسنا حوله فقرأ من ' المؤمنين ' عشراً، فقال: هل لكم في الغداء ؟ قال عرباض: فجعلت أقول في نفسي: أي غداء ؟ فدعا بلال بالتمر، فوضع يده عليه في الصفحة ثم قال: كلوا بسم الله. فأكلنا - والذي بعثه بالحق - حتى شبعنا وإنا لعشرة، ثم رفعوا أيديهم منها شبعاً وإذا التمرات كما هي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أني أستحيي من ربي لأكلنا من هذا التمر حتى نرد المدينة عن آخرنا. وطلع غليم من أهل البلد، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم التمرات بيده فدفعها إليه ؛ فولى الغلام يلوكهن. وإسناده واه جدا؛ الواقدي متروك مع سعة علمه. وابن أبي سبرة هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة بن أبي رهم العامري: رموه بالوضع، كما في التقريب.
ومن طريق الواقدي رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق وإليه عزاه ابن كثير في البداية والنهاية، وذكره ابن برهان في السيرة الحلبية .
وعزاه السيوطي للواقدي وأبي نعيم وابن عساكر في الخصائص الكبرى، وتبعه الصالحي في سبل الهدى والرشاد.
وأما القصة الثانية فرواها الحاكم في المستدرك، وعنه البيهقي في الدلائل عن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع وأبا أيوب بدرعه فرهناه عند رجل من اليهود بثلاثين صاعا من شعير، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي، فطعمنا منه نصف سنة، ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه، قال نوفل: فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو لم تكله لأكلت منه ما عشت.
وللحاكم والبيهقي عزاه ابن كثير في البداية والنهاية، والسيوطي في الخصائص، والصالحي في سبل الهدى والرشاد. وإسناده ضعيف، كما بينه الألباني في السلسلة الصحيحة(2625).
وقد علمت من ذلك ضعف القصتين، ولكن يغني عنها ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ.
والله أعلم.