الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنقول ابتداء إن معنى كلمة (شهد) تأتي في القرآن بمعنى حضر، وبمعنى أعلم وبين وغير ذلك من المعاني، فمن الأول قوله تعالى: فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ {البقرة:185}، قال القرطبي: و"شهد" بمعنى حضر.. انتهى، ومن الثاني قوله تعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ {آل عمران:18}، أي أعلم وبين أنه لا إله إلا هو، قال الشوكاني في فتح القدير: أي: بين وأعلم. قال الزجاج: الشاهد هو الذي يعلم الشيء، ويبينه، فقد دلنا الله على وحدانيته بما خلق وبين، وقال أبو عبيدة: شهد الله بمعنى قضى.. إلخ.
وإنما ذكرنا هذا لنبين للسائل الكريم خطأه في تفسيره قوله تعالى (شهد منكم) بعلم، وإن كان هذا يحصل تبعاً عند حضور الشهر، وأما ما ذكره من عدم التقيد برؤية أي بلد كان من غير مراعاة للحدود الجعرافية فاعلم أن المسألة خلافية قديماً وحديثاً، قال القرطبي: ... واختلفوا إذا أخبر مخبر عن رؤية بلد، فلا يخلو أن يقرب أو يبعد، فإن قرب فالحكم واحد، وإن بعد فلأهل كل بلد رؤيتهم، روي هذا عن عكرمة والقاسم وسالم، وروي عن ابن عباس، وبه قال إسحاق وإليه أشار البخاري حيث بوب (لأهل كل بلد رؤيتهم)، وقال آخرون: إذا ثبت عند الناس أن أهل بلد قد رأوه فعليهم قضاء ما أفطروا.. انتهى.
فالقول بأن لكل بلد رؤيته قال به بعض الصحابة والتابعين قبل وجود الحدود الجغرافية التي وضعها المحتل وقبل وجود العصبية الوطنية حسب تعبيرك، لأن لمطالع القمر اختلافاً ملحوظاً، ولمعرفة مستند هذا القول نحيلك إلى الفتوى رقم: 2536، والفتوى رقم: 6636.
واعلم أخي السائل أن تضخيم هذه المسألة يكون في الغالب نتيجة قلة العلم الشرعي، والله تعالى تعبدنا في الصيام برؤية الهلال أو بإتمام شعبان ثلاثين يوماً فلو اجتهد الناس في ذلك ثم اختلفوا فقد بذلوا وسعهم فيما أمروا به ولم يتوجه إليهم اللوم شرعاً ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وليلة القدر أخفاها الله في الأصل لحكمة هو يعلمها لعلها لأجل أن تجتهد الأمة في العشر الأواخر، وحتى لو اتفقت الأمة في بدء الصيام وانتهائه فإنه لا يمكن الجزم بأن ليلة معينة هي ليلة القدر فلا داعي لتضخيم المسألة لأن الخلاف فيها قديم كما ذكرنا، وللأهمية أيضاً نحيلك إلى الفتوى رقم: 18372، وهي حول الاحتفال بالمولد النبوي.
والله أعلم.