الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اختلف العلماء في اعتبار القيء ناقضاً للوضوء أو غير ناقض على قولين:
الأول: أنه لا ينقض الوضوء قلَّ أو كثر، وبه قال المالكية والشافعية، وأحمد في رواية. وعللوا ذلك بأن الأصل هو عدم النقض، فمن ادعى خلافه فعليه الدليل، وأنه لا يوجد دليل صحيح يوجب نقض الوضوء بالقيء، وما ورد من الأحاديث في ذلك فهو ضعيف، ولأن القيء خارج من غير السبيلين، فلا يعتبر ناقضاً، بخلاف الخارج من السبيلين كالبول والغائط.
القول الثاني: أن القيء الكثير ينقض الوضوء دون القليل، وبه قال الحنفية، والحنابلة في المشهور من المذهب، واختلفوا في تحديد الكثير، فمنهم من قال: يحدد ذلك بالعرف، ومنهم من قال: هو ما بلغ ملء الفم.
قال ابن قدامة في المغني: بعد قول الخرقي (والقيء الفاحش، والدم الفاحش...الخ):
(وإنما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير... ولنا ما روى أبو الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك، فقال ثوبان: صدق، أنا صببت له وضوءه. رواه الأثرم والترمذي، وقال: هذا أصح شيء في هذا الباب).
كما اعتبر الحنفية القيء ملء الفم ناقضاً للوضوء.
والراجح - والله أعلم - أن القيء لا ينقض الوضوء ولو كان كثيراً، لأن حديث: أبي الدرداء قد ضعفه كثير من أهل العلم، وعلى افتراض صحة إسناده فإن مدلوله مجرد فعل، ومجرد الفعل لا يدل على الوجوب لأنه خال من الأمر. انظر الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/225) للشيخ ابن عثيمين.
ولعل الأقرب هو استحباب الوضوء من القيء لا الوجوب، كما هو اختيار ابن تيمية رحمه الله.
والله أعلم.