الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
ففي حديثِ حمنةَ بنت جحش الذي رواه أبو داود والترمذي وصححه وذكر أن البخاري حسنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حمنة حين كانت مستحاضة بأن تتلجمَ وتستثفرَ بثوب.
والحكمة من تلجمها واستثفارها هي أن تمنع خروج النجاسة إلى الثياب، أو تقللَ خروجها ما أمكن، وفي معنى المستحاضة من به سلسُ بول، فهو مأمورٌ بالتحفظ بشدِّ خرقةٍ أو منديلٍ على العضو، وحكمة ذلك -كما ذكرنا- هي عدم انتشار النجاسة في الثياب، لأن المصلي مأمورٌ بالصلاةِ في ثيابٍ طاهرة؛ لقوله تعالى: وثيابك فطهر {المدثر: 3 }.
قال ابن قدامة: وجملته أن المستحاضة ومن به سلس البول أو المذي أو الجريح الذي لا يرقأ دمه وأشباههم ممن يستمر منه الحدث ولا يمكنه حفظ طهارته، عليه الوضوء لكل صلاة بعد غسل المحل وشده والتحرز من خروج الحدث بما يمكنه .انتهى.
وأما أن تكون الحكمة هي تقذيرُ المسجد وإيذاءُ الناس فليس هذا بظاهر، وقد يكون بعض الحكمة التي لأجلها أُمر بالتحفظ، وإلا فالمعذورُ مأمورٌ بالتحفظ وإن كان يصلي منفرداً .
ومن عجزَ عن التحفظِ بشد الخرقة أو نحوها لعدم وجود ما يتحفظُ به، أو لكونه يتضرر بذلك فصلاته صحيحة ولا إثم عليه، فإن الله تعالى لا يكلفُ نفساً إلا وسعها، وقد قال عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16}
وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذاأمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
وأما إذا أصاب البول ثيابك الداخلية، فإن كنت مفرطاً بترك التحفظ فصلاتك باطلةٌ تلزمك إعادتها لأنك أخللت بشرطٍ من شروط صحة الصلاة وهو اجتناب النجاسة، وأما إن كنتَ عاجزاً عن التحفظ لخشيةِ ضرر أو لخشيةِ خروج الوقت فصلاتك والحال هذه صحيحة؛ لأنك فعلت ما تقدرُ عليه، ولا يضرُ وصول النجاسة إلى الثياب، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
والله أعلم.