الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسحر من كبائر الذنوب، بل قد يصل أحيانا إلى الكفر الأكبر لقوله تعالى: وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ {البقرة:102}.
وقد بينا معنى السحر وحكمه وحكم فاعله ومتى يكفر ومتى يفسق في الفتوى رقم: 1653.
ولكن ننبه إلى أنه لا يجوز اتهام والدة هذا الزوج بذلك بدون بينة وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 35020.
أما ما فعله هذا الرجل من تضييع لأولاده من الناحية المادية والمعنوية فهذا من كبائر الذنوب ما لم يكن هذا الأب فاقدا لاختياره وتمييزه تحت تأثير السحر, فقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وحسنه الألباني.
وقد سبق لنا الحديث عن حكم ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 1107, 8497, 25339.
أما بالنسبة لما تسألين عنه بخصوص أفضل الأحوال لهذه المرأة فإنا نقول: من المقرر شرعا أن المرأة المطلقة أحق بحضانة أولادها ما لم تتزوج فإذا تزوجت انتقلت حضانة أولادها إلى غيرها, إذا طلب الزوج أو من له الحق في الحضانة ذلك, وقد بينا هذا بالتفصيل في الفتوى رقم: 10233.
وعليه فلو كان الأب بغير حاجة إلى الأولاد وأمكن لهذه المرأة أن تتزوج مع احتفاظها بأولادها لترعاهم وتقوم على شؤونهم فلا شك أن الزواج في هذه الحالة هو الأولى بل ينبغي أن لا يعدل عنه لما ذكرت من ظروفها وطمع الأشرار فيها.
أما إن ترتب على زواجها انتزاع أولادها منها, فلا يخلو هذا من أمرين:
الأول: أن تكون بحاجة إلى الزواج بحيث إنها تخشى على نفسها الفتنة إن هي تركته وفي هذه الحالة فإنه يجب عليها قبول الزواج.
الثاني: ألا تكون بحاجة ماسة للزواج بل يمكنها أن تستغني عنه, والحال أنها لا تخشى من ذلك الوقوع في الحرام, وفي هذه الحالة فإن الأفضل لها أن تتفرغ لتربية أولادها, فقد روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة، وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى، امرأة ذات منصب وجمال آمت من زوجها حبست نفسها على أيتامها حتى بانوا أو ماتوا.
وروى الطبراني في الكبير، والخرائطي واللفظ له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا وامرأة ذات منصب وجمال حبست نفسها على بناتها حتى بانوا أو ماتوا في الجنة كهاتين.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لما أبدت له أم هانئ عذرها بوجود عيال، وكان قد خطبها: خير نساء ركبن الإبل نساء قريش. أحناه على طفل وأرعاه على زوج.
وأما ما ذكرت من طمع بعض أهل الشر فيها فيمكن أن تستعين عليهم في ذلك بعد الله سبحانه ببعض أرحامها وأقاربها ممن يوفرون لها الحماية والأمان ويدفعون عنها شر هؤلاء العابثين.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38632، 9105.
والله أعلم.