الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بأس بالمواظبة على حلقة لقراءة القرآن في وقت معين بالمسجد أو غيره، بشرط أن لا يعتقد فضيلة مخصوصة لهذا الوقت بعينه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كان السماع الذي يجتمعون عليه سماع القرآن، وهو الذي كان الصحابة من أهل الصفة وغيرهم يجتمعون عليه، فكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ والباقي يستمعون، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أهل الصفة وفيهم قارئ يقرأ، فجلس معهم. وكان عمر بن الخطاب يقول لأبي موسى: يا أبا موسى ذكرنا ربنا. فيقرأ وهم يستمعون. مجموع الفتاوى.
وقال أيضاً: أما محافظة الإنسان على أوراد له من الصلاة أو القراءة أو الذكر أو الدعاء طرفي النهار وزلفاً من الليل وغير ذلك، فهذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصالحين من عباد الله قديماً وحديثاً فما سن عمله على وجه الاجتماع كالمكتوبات فعل كذلك، وما سن المداومة عليه على وجه الانفراد من الأوراد عمل كذلك، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يجتمعون أحياناً يأمرون أحدهم يقرأ والباقون يستمعون، وكان عمر بن الخطاب يقول: يا أبا موسى ذكرنا ربنا. فيقرأ وهم يستمعون. الفتاوى الكبرى.
وقال أيضاً: قراءة القرآن كل واحد على حدته أفضل من قراءة مجتمعين بصوت واحد، فإن هذه تسمى قراءة الإدارة، وقد كرهها طوائف من أهل العلم كمالك وطائفة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم، ومن رخص فيها كبعض أصحاب الإمام أحمد لم يقل: إنها أفضل من قراءة الإنفراد، يقرأ كل منهم جميع القرآن. وأما هذه القراءة فلا يحصل لواحد جميع القرآن بل هذا يتم ما قرأه هذا وهذا يتم ما قرأه هذا... وليس في القراءة بعد المغرب فضيلة مستحبة يقدم بها على القراءة في جوف الليل أو بعد الفجر ونحو ذلك من الأوقات، فلا قربة في تخصيص مثل ذلك بالوقت. مجموع الفتاوى.
وقال أيضاً: قراءة الإدارة حسنة عند أكثر العلماء، ومن قراءة الإدارة قراءتهم مجتمعين بصوت واحد وللمالكية وجهان في كراهتها، وكرهها مالك. وأما قراءة واحد والباقون يتسمعون له فلا يكره بغير خلاف، وهي مستحبة، وهي التي كان الصحابة يفعلونها كأبي موسى وغيره، وتعليم القرآن في المسجد لا بأس به، إذا لم يكن فيه ضرر على المسجد وأهله، بل يستحب تعليم القرآن في المساجد.
وأما الدعاء بعد تلاوة القرآن فمستحب، نص على ذلك ابن مفلح في الفروع والسفاريني في غذاء الألباب.. وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 47704، 34740، 37851.
ويدل على ذلك ما روي عن عمران بن حصين: أنه مر على قاص يقرأ ثم سأل فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس. رواه الترمذي وأحمد، وحسنه الألباني.
ويمكن أن يستدل على ذلك أيضاً بكون القرآن الكريم أعلى أنواع العلم، كما قال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ {العنكبوت:49}، وقد سبق أن بينا جواز الدعاء بعد الانتهاء من درس العلم، لعموم الأدلة التي وردت بشأن الدعاء، ولقول ابن عمر: قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتك من يحول بيننا وبين معاصيك.... الحديث رواه الترمذي وحسنه، وحسنه الألباني.
وهذا الحديث بوب النووي عليه في الأذكار: باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه. وبوب عليه الشقيري في السنن والمبتدعات: فصل في الدعاء للجلساء، وظاهر اللفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان يقول ذلك في أغلب الأحوال إلا إنه قد يتركه أحياناً، ولذلك قال الدكتور عبد الرزاق البدر في فقه الأدعية والأذكار: كان يختم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً من مجالسه.
ولمزيد من الفائدة يمكن الرجوع إلى الفتوى: 61125 .
وأما الدعاء الجماعي بصوت واحد يوافق بعضهم بعضاً، فهذا من البدع المحدثة التي ليس لها أصل في الشرع، كما سبق بيان ذلك في الفتوى: 41409.
والله أعلم.