الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما تعرفك على هذه الفتاة من خلال النت، ومحادثتها عن طرق الهاتف، فقد كفيتنا مؤنة الفتوى في ذلك وأفتيت أنت نفسك أن هذا لا يصح، لكن بقي لنا أن نقول لك: ما دمت تعلم أن هذا لا يصح فلم المداومة على الفعل وعدم التوبة إلى الله سبحانه منه؟ أما سمعت نداء مولاك في كتابه العزيز: وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ {الأنعام:120}، وأما قولك "وأعلم أن هذا غير صحيح ولكني أخاف على نفسي من الزنا" فهذا مثار دهشة ومبعث عجب، إذ كيف تخشى على نفسك الزنا وأنت تسلك طرقه وتقتحم أبوابه، وتأخذ بأسبابه، أما علمت أن ما تقوم به من حديث مع هذه الفتاة ولقاء بها وما يستتبع ذلك من النظر إليها والتعلق بها كل ذلك من مقدمات الزنا وذرائعه، وأنك بفعلك هذا تصير ممن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: كراع يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقعه.
فإن كنت جاداً في الرغبة من الزواج بها فاستخر ربك أولاً ثم حاول إقناع والديك بالأمر فإن استجابا فتقدم لخطبتها من وليها، أما إذا رفض والدك فعليك أن تترك هذه الفتاة وأن تنسى هذا الأمر لأن طاعة الوالدين واجبة، وبرهما فرض ينبغي أن يقدم على ما سواه من المباحات والرغبات.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا. انتهى.
وقال ابن الصلاح في فتاويه: وربما قيل: طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة أمرهما في كل ذلك عقوق، وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات.
ويتأكد هذا الترك مع ما ذكرت من كونك تشعر بعدم الراحة من هذه الفتاة، وتحس بالقلق والتوجس منها ومن حديثها، وأما قولك إنك تشعر أنها زوجتك فهذا من خطوات الشيطان وتلاعبه بك، لأنها الآن أجنبية عنك قطعاً، والمستقبل لا يعلمه إلا الله.
أما القول الذي تسأل عنه فهو آية كريمة من كتاب الله سبحانه ولكن ليس كما ذكرت، وصوابها: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {الكهف:103-104}، ولا نحسب أنك في هذا الحال الذي ذكرت ممن يدخل تحت وعيد هذه الآية، لأنك تعترف بإثم وخطأ ما تقوم به، ولا تحسب أنك تحسن صنعاً، وللفائدة راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 105484، 65580، 108752.
والله أعلم.