الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ريب أن الواجب على الأزواج أن يعاشروا زوجاتهم بالمعروف، لقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً {النساء:19}.
وقوله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {البقرة:228}، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص لما شغل وقته بقيام الليل وصيام النهار: صم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، فإن لنفسك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، ولضيفك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه. رواه البخاري ومسلم.
ومن العشرة بالمعروف القيام بحق الزوجة في الفراش، حيث لا يجوز له ترك ذلك إلا لمانع أو عذر شرعي، وقد اختلف العلماء في الفترة التي يجب على الزوج أن يطأ زوجته فيها والراجح أن هذا يكون حسب حاجتها، وقدرته، بحيث لا يفوت حقها في الاستمتاع ولا يضر ببدنه وصحته.
وقد سئل الإمام ابن تيمية رحمه الله عن الرجل يترك وطء زوجته الشهر والشهرين، فهل عليه إثم؟
فأجاب: يجب على الزوج أن يطأ زوجته بالمعروف، وهو من أوكد حقها عليه: أعظم من إطعامها. والوطء الواجب قيل: إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة، وقيل بقدر حاجتها وقدرته، وهذا أصح القولين. والله أعلم. مجموع فتاوى ابن تيمية.
وقد ورد أن امرأة جاءت إلى عمر رضي الله تعالى عنه وقالت: إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، فقال: نعم الرجل زوجك، فأعادت كلامها مرارا، في كل ذلك يجيبها عمر رضي الله عنه بهذا، فقال كعب بن سور: يا أمير المؤمنين إنها تشكو من زوجها في أنه هجر من صحبتها فتعجب عمر رضي الله تعالى عنه من فطنته وقال اقض بينهما، فقضى كعب رضي الله عنه فقال: أراها إحدى نسائه الأربع لهن ثلاثة أيام ولياليها ولها يوم وليلة. وفي رواية أنه قال: إن لها عليك حقا يا بعل، تصيبها في أربع لمن عدل، فأعطها ذاك ودع عنك العلل. فاستحسن منه عمر ذلك وولاه قضاء البصرة.
وقد استنبط بعض الفقهاء من ذلك أن الرجل عليه أن يطأ زوجته مرة كل أربع ليال، إذا اشتكت قلة الوطء، جاء في الفواكه الدواني في فقه المالكية: والراجح أنها إذا شكت قلة الوطء يقضى لها في كل أربع ليال بليلة. انتهى.
والواجب على الزوج مع ذلك أن يعامل زوجته بالمودة والرحمة في كل الأحوال والأوقات، فمن فعل ذلك فقد أصاب ومن خالف فقد ناقض حكمة الله سبحانه في هذا العقد الخطير, والميثاق الغليظ، فقد قال سبحانه: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}، وقال سبحانه: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ {البقرة:187}.
جاء في تفسير الألوسي: ولما كان الرجل والمرأة يتعانقان ويشتمل كل منهما على صاحبه شبه كل واحد بالنظر إلى صاحبه باللباس أو لأن كل واحد منهما يستر صاحبه ويمنعه عن الفجور. انتهى.
فإن كان زوجك عاجزا عن الجماع لأسباب صحية كما يزعم فلك أن تطالبيه بحقك، وذلك بأن يسعى في علاج نفسه، فإن لم يجبك لذلك، فلك الحق في أن تطالبيه بالطلاق، فإن طلق وإلا فارفعي أمرك إلى القضاء، وإن أحببت أن تصبري معه على ذلك فالأمر راجع إليك.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8935، 94585، 111990 ، 48190.
والله أعلم.